قضاة المحكمة الدستورية في مصر: "جلاّد وقاضٍ" في آنٍ

09 يونيو 2014
انحياز القضاة الى السيسي يُسقط شرعية المحاكمات (الأناضول/getty)
+ الخط -

أثارت الخطابات التي ألقاها قضاة المحكمة الدستورية، خصوصاً نائب رئيس المحكمة ماهر يوسف، في مديح الرئيس عبد الفتاح السيسي، قُبيل أداء اليمين الدستورية كرئيس لمصر، انتقادات واسعة، وطرحت شكوكاً عن حيادية السلطة القضائية في متابعة محاكمات المعارضة.

واستوقف الأوساط كافة قول يوسف، خلال مراسم التنصيب، الثورة وقعت "أسيرة في قبضة جماعة (الإخوان) انقضت عليها، وفتكت بها ومزقتها أشلاء مثل ما مزقت الوطن كله". كلام يوسف، لم يلق أي اعتراض من بقية القضاة، ولكنه طرح علامات استفهام عن دورهم في وقف عجلة ثورة "25 يناير"، حسب المراقبين. ويرتبط ذلك، خصوصاً، بأحكام حل وإلغاء الاستحقاقات الانتخابية كافة، التي تلت الثورة، وأبرزها تلك المتعلقة بالانتخابات البرلمانية، ورفض قانون "العزل السياسي"، وترشح الفريق أحمد شفيق، في انتخابات الرئاسة عام 2012، وخسارته أمام محمد مرسي، وهو ما يجعل من القضاء المصري خصماً لجماعة "الإخوان"، وعليه تسقط عنهم صفة الحيادية اللازمة لمتابعة محاكماتهم.

وقال الناشط الحقوقي صالح حسب الله، وهو باحث قانوني ومؤلف كتاب "الوجيز في المحاكمات التأديبية لطلاب الجامعات وأساتذتها"، لـ"العربي الجديد": إنه لا يجوز للقاضي العمل بالسياسة، وفقاً لقانون السلطة القضائية، والذي حظر على المحاكم إبداء الآراء السياسية.

وأشار إلى أنه "يُحظر على القاضي الاشتغال بالسياسة، وليس المقصود بهذا الحظر، هو الانضمام إلى الأحزاب السياسية فحسب؛ وإنما أن يناقش أو يعلق على أمر سياسي ما دام ذلك في غير عمل قضائي، وذلك لما تفرضه الوظيفة القضائية على شاغلها من حيادية تامة واستقلالية".

وأضاف حسب الله، "بتطبيق ذلك المبدأ على نائب رئيس المحكمة الدستورية، نجد أنه قد أفصح عن رأي سياسي بحت، وأقحم نفسه وهيئة المحكمة بالكامل في صراع سياسي مع جماعة "الإخوان المسلمين"، بل وأقحم القضاء المصري كله في الصراع السياسي، بحكم أن المحكمة الدستورية العليا، هي أعلى هيئة قضائية في مصر، وتضم شيوخ القضاة، وتنعكس عقيدتها على باقي الهيئات القضائية". واستطرد إلى أن ذلك "يحول أيضاً بين القضاء المصري والفصل في القضايا التي تخص جماعة "الإخوان المسلمين"، وذلك لتكوين تلك العقيدة قبل إصدار أي أحكام قضائية بالإدانة ضدهم".

وهو ما اتفق معه الناشط الحقوقي أسامة الجوهري، المستشار القانوني لحركة "أحرار"، قائلاً لـ"العربي الجديد": إذا طبقنا ذات المعايير التي طبقت على حركة قضاة من أجل مصر، وتيار استقلال القضاء في مصر، والتي تم بمقتضاها إيقاف نحو 100 قاضٍ عن العمل والتحقيق معهم بحجة الاشتغال بالسياسة، لمجرد تأييدهم لشرعية محمد مرسي، على نائب رئيس المحكمة الدستورية، سنجد أنه يجب أن يتم إيقافه عن العمل وإحالته للجنة التأديب والصلاحية، لإبدائه موقفاً سياسياً.

موجة "الغضب" من خطاب يوسف، انتقلت الى الناشطين السياسيين، وقال القيادي في جبهة "طريق الثورة"، وسام عطا لـ"العربي الجديد": إن قضاة المحكمة الدستورية وصلوا درجة من الجنون دفعتهم إلى التخلي عن استقلالهم، باعتبارهم جزءاً من المؤسسة القضائية، وإعلان موقفهم الصريح من السيسي، الذي يمثل رأس السلطة التنفيذية.

وتابع عطا، أن موقف القضاة لم يكن مفاجئاً؛ "فهم جزء من الدولة العميقة، لكن الجديد في الأمر إفصاحهم عن هذا الولاء علانية، وهو ما يكشف تخليهم عن دورهم في تقييم أدائها ودعمها بكل قوة". واعتبر أن "هذا يكشف حجم الفاشية التي وصلت إليها مؤسسات الدولة".

ورأى عطا، أن "يوم حلف السيسي، اليمين الدستورية كأول رئيس للجمهورية بعد الانقلاب، هو أولى خطوات سقوطه المؤكد"، مشيراً إلى أن "الشهور الماضية كشفت عن إصرار الطبقة الحاكمة ورجال الأعمال التي ينتمي إليها السيسي، وغيره من جنرالات الجيش على عدم التنازل، ولو بجزء يسير، عن مصالحهم في سبيل إجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية". وأضاف "ولذلك، فإن المعركة قادمة بين هؤلاء المطحونين اقتصادياً والسيسي، ويتوقف انفجارها على أداء السلطة الحاكمة بعد فوز السيسي، فالأمر أشبه بغلاية الماء".

واتفق عضو اللجنة القانونية في حركة "شباب 6 أبريل"، الجبهة الديمقراطية، شريف الحصري، مع عطا، قائلاً لـ"العربي الجديد": إن التوصيف الأدق للمحكمة الدستورية، هو المحكمة الدستورية السياسية العليا بعدما تحول قضاتها لأداة توظفها السلطة السياسية لخدمة مصالحها.

 علاقة حميمة مع مبارك

نائب رئيس المحكمة الدستورية المستشار ماهر سامي يوسف، هو أيضاً رئيس المكتب الفني والمتحدث الرسمي باسم المحكمة. عُيّن نائباً للمحكمة الدستورية العليا في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2001، من الرئيس المخلوع حسني مبارك. ونظراً للثقة الكبيرة فيه، عيّنه مبارك عضواً في اللجنة التي شكلها يوم 9 فبراير/شباط 2011، قبل تنحيه بيومين، لدراسة واقتراح تعديل بعض الأحكام الدستورية والتشريعية بشأن ما أسفر عنه الحوار الوطني، في محاولة للالتفاف على مطالب الثورة.

وعقب سقوط مبارك، حاز يوسف، ثقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي عيّنه في 15 فبراير/شباط 2011، ضمن اللجنة المشكلة من المستشار طارق البشري، من أجل إجراء تعديلات على دستور 1971، وقد تم الاستفتاء على هذه التعديلات في 19 مارس/ آذار 2011، ووافق عليها الشعب بنسبة 77 في المئة.

 وفي عهد مرسي، شارك يوسف، في إصدار أحكام بإبطال الاستحقاقات الانتخابية ممثلة في مجلسي الشعب والشورى، والجمعية التأسيسية الأولى للدستور، وقاد معركة تعليق العمل بالمحكمة الدستورية، بالتنسيق مع محكمة النقض، اعتراضاً على الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي، بعزل المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام السابق.