قضاء وقدر في مصر

15 سبتمبر 2014
+ الخط -

ظواهر كثيرة تخص القضاء المصري، تجعل الصمت مشاركة للظالم في ظلمه، بيد أن القضاء جزء من مؤسسات الدولة التي انتقلت من مرحلة "الفساد" إلى مرحلة "الإفساد"، حيث المشاركة الفعالة في صناعة الفرعون الحاكم، وهيكلة مفاصل الدولة، حسبما يراه من خلال إبعاد كل معارض وقمعه، وأيضاً، من خلال تصديق قراراته بصك القضاء الراعي الرسمي للقانون، بل، أحياناً، يصل الأمر إلى اتخاذ القرارات اللازمة لصناعة الفرعون، نيابة عن الفرعون نفسه، وكل هذا في إطار شموخ القضاء وهيبته.

الأخوّة التي تربط بين أفراد مؤسسة الفساد الحاكمة، والتي تتوزع في كل مؤسسات الدولة، جعلت من السهل وجود تناغم بينهم وعملهم وحدة واحدة، فالمعلوم لكل مبتدئ في السياسة أن الدولة تُحكم من خلال ثلاثية المؤسسة القضائية، المتمثلة في القضاة بشتى محاكمهم، والمؤسسة التشريعية المتمثلة في المجالس النيابية المنتخبة، والمؤسسة التنفيذية المتمثلة في الرئيس والحكومة، ولأن حركة الجيش المصري في الثالث من يوليو/تموز 2013، والتي تُعد انقلاباً، مهما اختلفنا أو اتفقنا معها، لا تعدو عن كونها انقلاباً عسكرياً، ولا تعريف لتدخل الجيش لعزل الرئيس وتعطيل الدستور وإلغاء مجلس الشورى إلا تعريف الانقلاب العسكري. أقول إن الانقلاب ألغى السلطة التشريعية بتعطيل المجالس، وعيّن رئيساً قام بتعيين حكومة، وما بقي للانقلاب إلا السلطة القضائية التي إن ضمن ولاءها فقد ضمن إدارة الدولة بمفاصلها بأوامره، وساعده في ذلك الأخوة الناشئة بين أفراد مؤسسة الفساد بواقع المصالح المشتركة ووحدة العدو (الثورة) وبيت حسني مبارك الذي تربّوا جميعاً في أكنافه، كل هذه الأسباب جعلت وحدتهم ميسورة وخدمتهم لبعضهم أمر بديهي.

أصبح القضاء المصري أحد فروع السلطة التنفيذية التي تتلقى الأوامر من الفرعون الأكبر وتنفذها من دون مراجعة أو تدخل، وأصبح "تسييس القضاء" جلياً بما لا يدع مجالاً للشك به، ولعل من أهم مظاهره من باب التمثيل لا الحصر، أحكام الإعدامات بالجملة التي تصدر ضد مناهضي الانقلاب، لإخماد جذوة الحراك الثوري في الشارع، والأحكام المشددة والغرامات الباهظة لمجرد التظاهر ضد النظام، أو حمل "شارة رابعة" أو التصوير من دون تصريح، وكل هذه أشياء لا تستحق هذه الأحكام المفرطة، فضلاً عن أنها لا ترقى إلى كونها جرائم من الأساس.

هذا غير الأحكام على صحافيي "الجزيرة" الذين تتلخص تهمتهم في الانتماء إلى شبكة الجزيرة التي تنشر حقائق تخشى السلطة الانقلابية ظهورها، وتظهر أبشع صور هذا التسييس في التطهير النوعي الذي تقوم به السلطة الانقلابية، بحيث يجري تحويل كل قاض معارض للانقلاب إلى الصلاحية تمهيداً لإحالته على التقاعد.

هذه الحقائق تجعلنا أمام واقع يجب فهمه وإدراكه جيداً، هو أن القاضي، الآن، في مصر مثل ضابط الشرطة الممسك بسلاحه لقمع المتظاهرين وقتلهم. فالقاضي يقتلهم بأحكامه، وبغطاء قانوني وحماية من مؤسسات القوة في الدولة.

ومضحك أن إعلامنا المصري يتشدق، دائماً، بشموخ القضاء، وأن القضاء سيد قراره، وأنه لا يحق التعليق على أحكام القضاء، في حين أنهم، أي الإعلاميين، ليس لهم وظيفة إلا مناقشة القضايا المنظورة أمام القضاء، وتوجيه القضية وفقاً لأهوائهم، بصياغتهم الكاذبة المدلسة. بينما يعيبون على الناس التكلم عن الأحكام بعد صدورها، فأيهما أحق باللوم: مناقشة حدث وقرار صدر عن قاض، أم توجيه هذا القاضي في أثناء نظر القضية.

القضاء منوط به الإنصاف والعدل والحياد، لا الجور والظلم والانحياز لمؤسسة الحكم. وعلى الثورة أن تلتفت في طريقها، وتتعامل بحسم مع كل من أعاق تقدمها وناصر أعداءها، حتى ولو توشح بزي العدل، وعمل تحت مظلة القانون.

32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
إسلام فتحي (مصر)
إسلام فتحي (مصر)