قضاؤنا المفعول به
وكان من أهم أعضاء هيكل الفساد التي تم الحفاظ عليه بنجاح "ذراع القضاء" تحت مسمى (القضاء الشامخ). بقيت تلك المؤسسة بعناصرها وقادتها، ولم يتغير فيها شيء تحت تخوف من عدم تسييس القضاء، ولكي يظل القضاء حياديا بعيداً عن حلبة الصراع السياسي، وتناسينا متغافلين أن القضاء المصري مغموس في السياسة، لدرجة أن دخول السلك القضائي لا يتم إلا بموافقة أمنية من الحكومة، وليس المعيار التفوق، مثلاً، أو توفر شروط محددة ومعايير منضبطة.
وبناءً عليه. سمحنا لأحد الأبناء الحكم على أبيه، متوقعين من الابن أن يكون موضوعيا أو عادلا وغير منحاز في الحكم على أبيه مبارك.
إن براءة مبارك تظهر لنا تلك الحقيقة التي ظللنا نتغافل عنها، وهي انتشار الفساد في ساحات المحاكم والنيابة على حد سواء، وكيف لا، ومعظم أعضاء السلك القضائي والنيابة تم تعيينهم بسماح من نظام مبارك؟!
تظهر نزاهة القضاء المصري إذا وضعنا نصب أعيننا أحكام الإعدام الجماعية التي يلقيها القضاء الشامخ جُزافا على مؤيدي الشرعية وأحكام المؤبدات وتجديدات الحبس في سرايا النيابة لمجرد كونك تظاهرت سلميا ضد نظام قمعي. وكأن في مصر أصبح القتل والفساد أخف جرما من التظاهر.
وحتى القلة الشرفاء من القضاة المصريين يتم تحويلهم للصلاحية وتوقيفهم عن عملهم حتى لا يستمروا في تنغيصهم على الفاسدين.
ولا تنسى أن الذي ترأس الانقلاب، حتى وإن كان بشكل صوري بحت، إلا إنه كان رئيس هذا الانقلاب على الرئيس الشرعي والدستور الحقيقي والمجلس المنتخب. كان هذا الشخص من أكبر الرؤوس القضائية في مصر. رئيس المحكمة الدستورية العليا.
تنبئنا هذه الصورة الكاملة أن القضاء المصري تحول من هيئة لتنفيذ القانون إلى هيئة لخدمة اتجاه سياسي ضد آخر، من هيئة حيادية إلى خصم لا يراعي في خصمه ذمة، وفي الوقت نفسه، يُشفق على أصدقائه من أي ضرر ينالهم.
ولا شك أن هذه الصورة التي تكشف زيف قضاؤنا المصري، والتي تحطم أسطورة "القضاء المصري الشامخ" تصب في مصلحة الثورة وتجعل أهدافها واضحة وخصومها واضحين حتى لا يتسنى لأحد أن يلتف عليها مرة ثانية.