بخفة لا يحتملها وضع سورية والسوريين، يرد قصي خولي على مضيفته في برنامج ترفيهي، إذ تسأله: "متى سترجع سورية"؟ فينفش الفنان ريشه كديك واثق، مردداً بعنجهية منفصم عن الواقع: "سورية ماراحت أصلاً لحتى ترجع...سورية فيها.. شوية خلافات".
هكذا قرر قصي أن يختزل المأساة السورية التي أجمعت على تسميتها، حكومات ومؤسسات وسياسيون وفنانون ومثقفون من كل أنحاء العالم، بأسوأ كارثة تحدث في تاريخ الإنسانية، وكأن ما من مدن بأكملها دمرت، فاضطر ساكنوها وقد جاوز عددهم خمسة ملايين إلى هجرها، أو ما من جيل من الأطفال ضاع، تتلاطمه اليوم أمواج التشرد والعنف والفقد، وأن عداد الموت في سورية لم يسجل مئات الآلاف ممن أزهقت أرواحهم في حرب لعينة فرضها عليهم، معارضين وموالين، أسوأ طاغية عرفه التاريخ.
وقصي الذي اختار التعبير عن موقفه السلبي من ثورة الشعب السوري العظيم، لا سيما من خلال الهدية التي وصلته إلى البرنامج، وكانت عبارة عن صورتين، جاء واضحاً في دعمه للنظام السوري، حتى من دون أن يضطر إلى ذكره، في محاولة تذاكٍ باءت بالفشل.
فعن صورة علم سورية القديم (الأحمر)، أكد أن هذا علم بلاده الذي يتشرف به، وهو ما يترجم إلى رفضه الاعتراف بعلم الثورة (الأخضر)، ومن ثم الاعتراف بالثورة نفسها، وهذا أمر قد يحق له..غير أن ما لا يحق له، أن يظن بأن المشاهد قد يقتنع بأنه يفعل ذلك في سبيل وطني نزيه، وليس إرضاءً لنظام مجرم.. وأنه، في ظل هذا النظام، هو إنسان حر، بما يكفي ليقول ما يشاء.
أما عن الصورة الثانية، وكانت خارطة سورية، فاستفاض الفنان تبجحاً وهو يشرح لمضيفته عن قطعة "البازل" التي سقطت من سورية مؤكداً أنها ستعود قريباً، وهي القطعة القريبة من تركيا، لواء اسكندرون.
لكن قصي الذي تحدث عن لواء اسكندرون لدقائق طويلة، بدا مطابقاً في المساومة على ما هو جوهري بحسب مصالحه وما تقتضيه السياسة، شأنه شأن نظامه المدافع عنه، وقد طغت هرمونات الكراهية لتركيا، على هرمونات المقاومة والممانعة، فنسي الجولان في معرض حديثه عن سورية الكاملة، قبل أن ينبهه أحد ما خلف الكاميرا، إلى أنها محتلة أيضاً، ليعود ويستدرك بعد مونتاج واضح: "آه طبعا والجولان.. نسيت الجولان".
أليس غريباً يا قصي أن تفضل ذاكرتك لواء اسكندرون الذي ضمته تركيا إلى أراضيها قبل 77 عاما، على الجولان الذي احتلته إسرائيل قبل 49 عاماً، وهجرت غالبية سكانه؟ وهل تعلم يا قصي أن "البازل" الذي لفت سقوطه من الخريطة، انتباهك، كان بشار الأسد أول رئيس سوري يسقطه من كتبنا المدرسية، يوم كان زي "السمنة والعسل" مع الحكومة التركية!
أليس مستهجناً أن تستفيض بالحديث عن لواء اسكندرون، الذي يحمل سكانه اليوم الجنسية التركية، ويعاملون فيه معاملة المواطنين الأتراك، بينما أهالي الجولان مقسومون اليوم بين نازح للمرة الثانية على يد النظام، وصامد مقاوم للاحتلال، كلاهما يتعرضان لشتى أنواع الانتهاكات!
ألم يكن من الأفضل لك ولنظامك الذي تدافع عنه، لو أجريت تنسيقاً ما بين هرمونات معاداة تركيا لموقفها من نظامك، وما بين هرمونات الممانعة والمقاومة لإسرائيل، إذ ظهرت الأخيرة وبعد تذكير من عامل خارجي، فاترة خجلى، مع أن نظامك ما فتئ كل يوم يردد أنه الحصن الأخير للممانعة، والشوكة الوحيدة في حلق إسرائيل!
ثم إن كان ما يحدث في سورية "بسيط.. وشوية خلافات"...أعطني سورياً واحداً فقط، لم تحله هذه "الخلافات البسيطة" إلى شهيد أو فقيد أو أرمل أو مكلوم أو يتيم أو شريد أو غريق أو تائه أو قاتل أو مقتول أو مغتصب أو هارب أو عاجز أو متوحش أو منهوب أو معتقل أو رهين...ثم أخبرني أي وصف مما سبق ينطبق عليك؟
اقرأ أيضاً: رغدة وعلّة الهيام بأنظمة الاستبداد