اسمُكَ: الوحيد (le seul)
الوحيدُ الذي لا يتفكّك، والغامضُ الذي لا يُفسَّر.
تلكَ الشظايا من العَظمِ المُتشابِكِ في العمقِ كتَشابُكِ الأكوادِ مع النّصِّ في اللغاتِ البرمجيّة، طريّةٌ كالريشِ، وبيضاءُ نابضةٌ بالحياةِ أيضاً.
لن تعرفَ يوماً متى بدأتْ شفاهُ الخُبراءِ اختباراتِها عليكَ:
عندما اشْتاقَ الخُبراءُ إلى شَمِّ رائحةِ تسلسُلِ الأرقامِ الثّنائيّةِ المُرفْرِفَةِ فيكَ، الأرقامُ التي تتألّقُ بين اللانهاية الإيجابيّةِ والسلبيّة.
هل تُشبِهُ رائحتُك رائحةَ العنبر؟ أم مجرّد رائحةٍ دافئةٍ وشهوانيةٍ مُسكِرة؟
أعاقتْ رعونتُهم محاولاتَهم البائسة للوصولِ إليكَ، ولم يَجْنُوا من شَهوةِ تفكيكِكَ سوى اليأسِ والقفّازاتِ المتّسخةِ والبالية.
قال مرة ألفونس دي بوليجناك: هناكَ صورةٌ طِبقُ الأصلِ منكَ في هذا الكونِ المجهول المترامي الأطرافِ، تبعُدُ دائماً بمقدارِ درجتَينِ عن مكانِ تواجُدِك.
تكادُ تشعرُ بها في بعض الأحيان... أثناء رحلتكَ لاكتشاف هذه الصورة، لم تتجاهلْ أي صورةٍ أو صوتٍ يخصُّها، ولكنكَ غرقتَ في محيطٍ من الجزيئات. الجزيئات: النُّسخُ المبتَذَلةُ المُشتَقّة من بعضها البعض- ثمّ غُصْتَ في مستنقعٍ من الحلزونات المزدوجة التي تُزهرُ وتَذبُلُ ثم تتلاشى سريعاً.
لنْ ترى سوى الخيوطِ الملوِّحَة، الخيوطُ التي تمتدُّ على طولِ التصدّعاتِ الفاصلةِ بين مجموعاتِ النّجوم.
النّجومُ التي تَذَوَّقْنا طعمَ وميضِها اللاذعِ والمعتّق!
وقعَ عليكَ الاختيارُ لأنّك كنتَ جنيناً ناضجاً. الأيدي التي جعلها الزمنُ خشنةً بهدوءِ الخبيرِ المتمرّسِ، غربلتْ حبّاتِ الذُّرة ونقّتْها من الشوائب، كما فعل القدَرُ بمليون بايت من البيانات. هبطَ عليهم طائر أبو منجل الملتهب الآتي من الشرق مثل ومضة من الحكمة – وأمامَه انحنوا بتواضع يُغربِلونَ القِشرَ والغبارَ ويفصلونها عن الحَبِّ، وهناك تشبَّثْتَ بالشبكة العملاقة، مثل فراشة نادرة...
صنعوا لك عشاً بين أصابعهم، وحملوكَ إلى النور متمتمينَ بلهجةٍ متوسّطية: Ciao!
الشوارع التي أمدّتك بالألوان وأصوات الحياة موجودة أيضاً في نظامٍ آخر موازٍ لنظامها.
عندما تنزل إلى شاطئ البحر واضعاً يديك في جيبك، لا يمكن أن يستقبلكَ السكانُ المحلّيون بِسِلالِ الزّيتونِ ودِلاءِ السردين، فلكل وقت من النهار طريقة استقبال تليق به.
ينغمسُ المحلّيونَ في مُتعِ لياليهمِ المُضاءة، أمّا أنتَ فتحتضنُ نهاراتك الياقوتيّة.
تَتَحوّلُ تدريجياً في صَخَبِ الظّلامِ من غريبٍ إلى شريكِ رقصٍ ثم إلى عاشقٍ ثمّ منافسٍ في النهاية.
لا تبدو منحنياتُ النّموّ بوضوحٍ سوى في النّجوم:
تَظهرُ كموجاتٍ زُمرّديّةٍ، تتصاعَدُ من الضَّعفِ إلى القوّة، وتُحَلِّقُ عالياً على نحوٍ مُبْهِرٍ، ثم تتهاوى، وتتناهى شيئاً فشيئاً إلى الصفر.
ينتهي بها المطاف، تماماً مثل ما يَكشِفُهُ تِكرارُ الأعدادِ الأوليّة، إلى الاضمحلالِ عندما تَتَناهى إلى العُزلة.
قدرُكَ أن تكون آخرَ جِرمٍ سَماويٍّ على مدى سبعةِ آلافِ ميلٍ من المقابر.
(تعليق صوتي 1)
عندما تُشيحُ بناظَرَيك عن مساراتِ الزمن، يعاوِدُ الظّهورَ فجأةً من تحت سطحٍ أثيريٍّ مشعّاً لامعاً مثابراً عنيداً.
لا تَهلَكُ صفاتُ الزّمن هذه مع الجسدِ، أو حتّى مع الروح، فالزّمنُ متجسّدٌ هناكَ في كلّ مكانٍ، في الطقس والطاقةِ وحتى في الزنّ.
لا يمكنُ لنظريّة الجذورِ والسيقانِ والأوراقِ أن تُبطِلَ أصلَه أو الغِلالَةُ التي تَعلوهُ، والتي يُمكنُ إرجاعُها إلى الدّهرِ الجَهنمَّيّ.
(تعليق صوتي 2)
الأصواتُ الوهميّةُ التي تُرَفرِفُ بين هذه السّطورِ، إذا ما قارنّاها بتاريخِ الزّمنِ بأكمله، ليستْ سوى قطراتٍ من السائلِ في الحُزَمِ الوعائيّةِ الدّمويةِ للكون.
الآذانُ التي تسمعُه تَصْفَرُّ بخجلٍ مثلُ أوراق الخريف. سَيَهلَكُ لا محالةَ كلُّ من يَصِلُهُ صوتُ الزّمنِ عندما يُنفَثُ الزئبق.
(تعليق صوتي 3)
لقد بَقِيَ سرّاً لفترةٍ طويلةٍ أنَّ مصيرَ الجنسِ البَشريّ كانَ مُتَوَقَّعاً من خلال الذروةِ النهائيةِ التي وَصَل إليها السطحُ الهلاليُّ المُحدَّب.
* Xiaoyuan Yin شاعرة صينية تجريبية اتجهت نحو الشعر الملحمي، تكتب بعدّة لغات نصوصاً أدبية عابرة للنوع، وقد أسّست في عام 2007 مدرسة الشعر الموسوعي، وكانت من أوائل من بدأَوا فكرة حركة الكتابة الهجينة ومن أهم الذين صاغوا إعلان الكتابة الهجينة.
ألّفت ين شاويوآن 18 ملحمة موسوعية (وصل مجموع أسطرها إلى70 ألف) و24 سلسلة من القصائد القصيرة بموضوعات متنوّعة ما بين الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والجغرافيا والجيولوجيا وعلم النفس والخط والتصوير وعلم الموسيقى والهندسة وعلوم الغلاف الجوي ونظم المعلومات.
أصدرت الشاعرة الصينية حتى اليوم تسعة كتب تشملُ أيضاً أربعةَ كتبٍ من المختارات الشعرية: "ذكرياتٌ سريعةُ الزّوال"، و"ما وراء تقويم الزّوكْلِين"، و"الثلاثيّة الرّياديّة"، و"سلسلةُ الاحتفال بالذكرى العاشرة لمدرسة الشعر الموسوعي".
** ترجمة: عماد الأحمد