قصص احتجاجات العراق تطغى على مواقع التواصل

28 نوفمبر 2019
الجميع يوثقون وجودهم (حسين فالح/ فرانس برس)
+ الخط -
أصبحت قصص ويوميات ساحات الاحتجاج في العراق، المصورة عبر مقاطع الفيديو، تحوز اهتمام العراقيين بشكل كبير جداً، لتكون شغلهم الشاغل عبر مواقع التواصل ومنصات التراسل، حيث يوثق المحتجون، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مشاهد مختلفة بعضها تعتبر جرائم بحقهم حيث يقعون ضحايا نتيجة استخدام قوات الأمن العنف المفرط، وأخرى تجسّد مشاهد مختلفة تعبّر عن تضامن وتآلف وقوة المحتجين. 

العراقيون الذين اعتادوا على تبادل بطاقات ومقاطع فيديو مختلفة تتنوع بين الأدعية الدينية والنصائح ومقاطع فيديو ساخرة وأشعار وأغان وغيرها من المواضيع، أصبح من النادر أن تجد رسالة أو محتوى مصورا يتناقلونه في هواتفهم خارج إطار الاحتجاجات. وبحسب رسول الشيخلي، الذي صنع العديد من المحتويات التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي، منها مقاطع فيديوغرافيك وصناعة محتويات ساخرة، فإن صناعته لمقاطع فيديو حول الاحتجاجات لقيت انتشاراً وقبولاً لم تعهده أعماله السابقة على مدى مشواره في هذا العمل الذي يمتد لأكثر من سبع سنوات.

وأوضح الشيخلي الذي يعمل مع مؤسسات إعلامية في صناعة المحتوى الرقمي، لـ"العربي الجديد"، أن الاهتمام الأول والأكبر عند العراقيين منذ انطلاق الاحتجاجات، هو "أخبار هذه الاحتجاجات والمحتجين وقصصهم اليومية".

يتلخص عمل الشيخلي في تصوير مقاطع فيديو من ساحات التظاهر بدقة عالية، ثم صناعة مقطع مختصر بإدخال أغنية وطنية أو أشعار، مبيناً "هذه الأعمال أقدمها مجاناً عبر مواقع التواصل لمساندة المحتجين، لكن يتم تداولها ومشاهدتها وتناقلها بشكل كبير جداً لم يحصل معي من قبل، على الرغم من أن مواضيع عديدة عملت عليها في مجالات ثقافية وعلمية وسياسية ورياضية، وكانت بحرفية عالية لكنها لم تنل مشاهدات وتداول مثل ما يجري مع المحتويات التي أصنعها عن الاحتجاجات".


التنقل في ساحات الاعتصام، سواء في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد أم في المدن الأخرى، يرافقه باستمرار تصوير بكاميرات الهواتف الجوالة. الجميع يوثقون وجودهم في هذه الأمكنة بمقاطع فيديو وصور فوتوغرافية، فضلاً عن تسجيل مواقف عديدة، منها بطولية وأخرى إنسانية. الكثير منها يتم بثها عبر مواقع التواصل، تحولت العديد منها إلى حديث الإعلام العالمي، لا سيما المواجهات البطولية لشباب سلميين عُزل لقوات الأمن المدججة بالسلاح وهي تطلق عليهم الأعيرة النارية والقنابل المسيلة للدموع، في بعضها يسقط قتلى أو جرحى. وهناك أيضاً مشاهد توثق إسعاف المحتجين لزملاء لهم تعرّضوا لإصابة، وأخرى حمل زميل قتل تواً والدماء تنزف من جسده، كلها مشاهد مؤثرة للغاية، يصفها الصحافي أنمار التميمي، بأنها "سلاح خطير" كان وراء استمرار الاحتجاجات.

التميمي الذي وثق العديد من أحداث القمع بكاميرته الخاصة، قال لـ"العربي الجديد" إن "القمع المفرط للاحتجاجات من قبل الأجهزة الأمنية كان سينجح في إنهاء هذه الاحتجاجات في أيام قليلة لو كان هذا حصل قبل ظهور الهواتف الذكية التي تتيح تصوير الفيديو والفوتوغراف وبثها في ذات الوقت إلى العالم، وانتشارها السريع في مواقع التواصل، وتحقيقها نسب مشاهدات مليونية في خلال ساعات قليلة".

وأضاف "مشاهدة هذا القمع الوحشي رفعت حدة الغضب الشعبي، ما جعل الدعم الجماهيري يزداد، لتشهد ساحات الاحتجاجات في مختلف المدن حضوراً كبيراً، ما أفشل خطة الحكومة في إخماد الاحتجاجات وإنهائها بالقوة". وتابع إن "مقاطع القتل الوحشية من قبل قوات الأمن للشباب العزل وهم يحملون الأعلام العراقية ويهتفون بشعارات وطنية، دفعت آخرين ومن كلا الجنسين إلى أن يشاركوا في الاحتجاجات، لتظهر لاحقاً صور أخرى جسّدها شباب وفتيات أثارت إعجاب العالم، والسبب هو تناقلها بشكل واسع من قبل العراقيين من خلال مواقع التواصل". وقال "تحدثت إلى زملاء صحافيين أجانب عبر الهاتف وهم يبدون دهشتهم من روح التعاون والألفة ومواجهة العنف، بعضهم كانوا يطلبون توضيحاً حول مقاطع فيديو إن كانت فيلماً سينمائياً أم حقيقية؛ هالهم أن شباباً يواجهون القتل والقوات المدججة بلا مبالاة".


شابات ينظفن شوارع ساحات الاحتجاج، وأخريات طبيبات ومسعفات يهرعن لتقديم العلاج لمصابين، وغيرهن يعددن الطعام ويقدمنه مجاناً، والآلاف يتبرعون بمؤن مختلفة، وفنانون يرسمون ويعزفون، وآخرون يحولون جدران المكان إلى لوحات فنية، ومواقع توفر فرصة مطالعة للمحتجين من خلال تأسيس مكتبة مجانية للمطالعة داخل ساحة التحرير، فضلاً مواقع أخرى توفر القراءة.

كل هذه وغيرها توثق عبر مقاطع الفيديو وتتحول إلى مادة مهمة يتناقلها العراقيون عبر مواقع التواصل، تعبر عن انتمائهم لوطنهم، بحسب ما يصف جهاد نايف، الذي أصبح يلقي تحية الصباح على مجموعات يشترك بها في منصات "فيسبوك"، و"واتساب" و"فايبر"، لكنها اختلفت كثيراً عن التحايا التي كان يرسلها قبل اندلاع الاحتجاجات في العراق.

يقول نايف لـ"العربي الجديد" إنه مهتم بالشعر الشعبي، ويعتمد على هذا النوع من الأدب في صناعة بطاقات تهنئة، ومقاطع فيديو ويرسلها لأصدقائه عبر مواقع التواصل، لكنه يقول إن "كل هذا تغير بعد مشاهد البطولة التي سطّرها المحتجون".

وأضاف: "أصبحت أرسل أشعار الغزل مرفقة بصور فتيات ونساء وهن يتظاهرن، أو يمارسن عملاً تطوعياً في ساحات الاحتجاج. أما أشعار البطولة والشجاعة فأرفقها بصور الشباب وهم يسقطون شهداء أو يصابون أو يواجهون قوات الأمن بصدور عارية. وجميع الأشعار المعبرة عن مشاعر مختلفة أختار لها مشاهد من ساحات الاحتجاج وأرفقها معها، فكل شيء موجود في احتجاجاتنا، وهذا شيء غريب".


رموز ومواقف عديدة أصبحت مشهورة جداً ونالت حظاً كبيراً من المشاهدة، منها تسلق طبيبة أسفل جسر الجمهورية لإيصال مساعدة لمتظاهر مصاب، في مشهد يؤكد خطورة ما فعلته المسعفة، وإسعاف أحد المتظاهرين لزميله بحمله على ظهره وتسلّق ذات الجسر، وإصابة متظاهرين بتلقيهم الإطلاقات النارية بشكل مباشر، وغيرها العديد من المشاهد.

تقول عُلا محمود، التي تطلق على نفسها "مدمنة مواقع التواصل"، إن ما تشاركه من محتويات عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ خروج العراقيين في احتجاجات واسعة، يجسد 90 بالمائة هذه الاحتجاجات.

وأضافت لـ"العربي الجديد" أن "التوكتوك وجبل أحد (مبنى المطعم التركي) ونصب الحرية ونفق التحرير، وشهداء الثورة، هؤلاء أصبحوا رموزنا الوطنية، ولا يمر يوم من دون أن أشارك أصدقائي على مواقع التواصل قصصا تمثل الاحتجاجات، والكثير منها تتحدث عن هذه الرموز". وتابعت: "ما فعلته وتفعله المرأة العراقية في ساحات الاحتجاج زادني فخراً بعراقيتي وبكوني امرأة، وأرى أن من باب العدل والإنصاف أن أقف إلى جانب النساء في ساحات الاحتجاج، وأشارك فعالياتهن اليومية وما يمارسن من أنشطة وأعمال داخل ساحات الاحتجاج".


المساهمون