قصة جاسوسية إيلي كوهين كما تنقلها "يديعوت أحرونوت" عن محاضر المحاكمة

01 مايو 2020
نشط كوهين في سورية تحت اسم كامل أمين ثابت(يوتيوب)
+ الخط -
نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الجمعة، مقاطع قالت إنها من محاضر جلسات محاكمة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي نشط في سورية تحت اسم كامل أمين ثابت، وتمكن من نقل معلومات سرية حساسة لإسرائيل، بما في ذلك تصوير انتشار القوات السورية في هضبة الجولان والقواعد العسكرية فيها، إلى أن تم القبض عليه عام 1965 وإعدامه.

ونشرت الصحيفة مقاطع من محاضر 39 جلسة من جلسات محاكمة كوهين، قالت الصحيفة إن أجهزة الأمن الإسرائيلية جمعتها من الجلسات التي بثّها التلفزيون السوري، وما نشرته الصحف العربية في تلك الفترة.
وبحسب ما نشرته "يديعوت أحرونوت"، يتضح مثلاً أن كوهين كان ناشطاً في بداية الخمسينيات، قبل أن تهاجر عائلته من مصر إلى إسرائيل، مع خلية التجسس الإسرائيلية في مصر التي قُبض عليها لاحقاً عام 1956، وعُرفت في إسرائيل بفضيحة لافون. وكان هدف أعضاء الخلية القيام بعمليات تفجير لمرافق بريطانية وغربية في مصر لتأكيد عدم الاستقرار فيها، في ظل صعود نجم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ولإيجاد سبب لتدخل الدول الغربية ضد مصر. لكن الخلية فشلت، وتم القبض على أفرادها والزجّ بهم في سجون مصر، في المقابل اضطر بنحاس لافون، الذي شغل منصب وزير الأمن في دولة الاحتلال، إلى ترك منصبه والاستقالة من الحكومة.

وقد ظل كوهين خلال فترة التحقيقات مع خلية التجسس خارج صورة الشبهات، بعد أن أنكر أعضاء الخلية أي دور له فيها، لكنه واصل، بحسب ما نشرته "يديعوت"، نشاطه في تهريب الأسلحة والذخيرة من العلمين إلى إسرائيل، إلى أن اضطر للهجرة من مصر.
ووفقاً للجلسة الخامسة، تنقل الصحيفة اعتراف كوهين بالتمييز الذي لاقاه اليهود من أصول شرقية في إسرائيل عند هجرتهم إليها في تلك السنوات، وأنه بدأ، مع هجرته إلى فلسطين، العمل في تصنيف الصحف العربية، ولكنه لم يتم شهراً واحداً، فقد تم فصله وفصل عاملين آخرين من أصول عراقية، واستبدالهم بموظفين من النقابة العامة "الهستدروت"، وظل عاطلاً عن العمل لنصف عام، إلى أن بدأ العمل في متجر الملابس "همشبير" محاسباً، لنحو عام، ثم تزوج، ليفصل من عمله الجديد قبل يوم من زواجه، لكن بعد ذلك بدأت عملية تجنيده من قبل الموساد، من جانب مسؤول قدّم نفسه باسم شمعون.
وتنقل الصحيفة عن نتان سلمون، الذي كان مسؤولاً مباشراً عن كوهين، أن تجنيد الأخير للموساد كان صعباً، وإن فصله من مكان عمله كان مقصوداً بهدف الضغط عليه وإلزامه بالتعاون مع الموساد، وإن ذلك استغرق ثلاثة لقاءات لإقناعه. وبحسب كوهين في اعترافه أمام المحكمة السورية في الجلسة التاسعة، فقد عرضوا عليه راتب 350 ليرة، وكانت زوجته حاملاً في شهرها السادس وتعمل، بينما يجلس هو في البيت، بحسب رواية "يديعوت".

وقد وضع الموساد عند ذلك الوقت قصة الغطاء الذي سيمكن كوهين من الدخول إلى سورية، عبر الادعاء بأنه ابن عائلة سورية من بيروت، انتقلت للعيش في الإسكندرية، ومن ثم هاجرت إلى الأرجنتين. وقُدّم كوهين على أنه رجل أعمال أعزب وثري، يحاول الاندماج في المجتمع السوري في بوينس آيرس. وفي عام 1961، وصل إلى الأرجنتين لفترة تدريب استمرت تسعة أشهر، وهناك تعلم اللغة الإسبانية، وتلقى تعليمات باستئجار شقة والتجول في المدينة بكثرة، من دون أن يكون قد حصل بعد على هويته التي سيدخل فيها سورية، وهي كمال أمين ثابت، وحُظّر عليه في الفترة الأولى الاختلاط بيهود أو عرب. وقد اختار له مجنده، شمعون، اسم عائلة ثابتاً بالاستناد إلى حقيقة وجود حملة كثيرين لهذا الاسم في بيروت، بينهم مسلمون ومسيحيون يحملون نفس اسم العائلة. وطُلب منه في هذه المرحلة أن يصرّح بأن عمره 30 عاماً، أي أقل من عمره الحقيقي بعشر سنوات. وبعد أن حصل على الوثائق الجديدة، انتقل للسكن في حي مسلم في بوينس آيرس.
ويحكي كوهين في الجلسة 18، بحسب ما نشرت الصحيفة، أنه طُلب إليه التعرف إلى محرر صحيفة "العالم العربي" في الأرجنتين، عبد اللطيف الخشن، وتحول الاثنان إلى أصدقاء. وبدأ كوهين بتكوين حلقة من العلاقات والصداقات، بما في ذلك علاقات مع أفراد في السلك الدبلوماسي، وتمت دعوته إلى الحفلات الرسمية، وهناك تعرف إلى الملحق العسكري في السفارة السورية في الأرجنتين بذلك الوقت، أمين الحافظ.
ورداً على سؤال في المحكمة في الجلسة 19، لماذا أحضر معه عند سفره إلى سورية رسائل من السوريين، قال إن ذلك تمّ بناءً على تعليمات من مرشده المسؤول عنه في الأرجنتين أبراهام، وإن الأخير أبلغه أن لمحرّر "العالم العربي" عبد اللطيف الخشن ابناً في سورية، ولذلك حمل إليهم رسائل، ثم سافر بداية إلى زيورخ في سويسرا، حيث ترك جواز سفره والرسائل في مقر للموساد هناك، ليتوجه بداية إلى إسرائيل، وتمّ في هذه المرحلة تدريبه على إشارات "مورس"، حيث طُلب منه أن يتعلمها بأسرع وقت ممكن.
وبعد موت والده في نوفمبر/ تشرين الثاني، تقرّر أنه حان موعد مغادرته إلى دمشق. وفي طريقه إلى سورية، بعد استلامه جوازه الأرجنتيني من زيورخ، سافر عبر البحر على متن سفينة "أسبيرا"، حيث التقى بمواطن سوري يدعى ماجد شيخ العرض، قالت الصحيفة إنه تبين لاحقاً أنه كان عميلاً للمخابرات الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، وساعد في توفير معلومات عن مجرمين نازيين. تمكن كوهين من الوصول إلى سورية عبر سيارة المواطن السوري الخاصة التي لم يتم تفتيشها، وكانت محمّلة بأجهزة التجسس التي حملها معه كوهين.


وتنقل الصحيفة بالأساس معلومات سبق أيضاً أن نُشرت في وسائل الإعلام العربية، من اعترافات إيلي كوهين خلال جلسات المحكمة، وأن أول خطوة قام بها هي تسليم الرسالة التي حمّلها إياه عبد اللطيف الخشن إلى ولده كامل، ووفقاً للتوقعات، فقد قام الابن بفتح الأبواب أمام الوافد، الذي حمل معه رسالة من والده، وصولاً إلى قيادة الجيش السوري، بعد أن تعرّف إلى معزة زهر الدين، ابن شقيق رئيس أركان الجيش السوري. وطلبت منه المخابرات الإسرائيلية تعزيز العلاقة معه.

وتمكن كوهين من استئجار شقة في الحي الراقي في دمشق، أبو رمانة، مقابل مقر أركان الجيش السوري، وبدأ بنقل المعلومات السياسية والعسكرية وفق طلب الموساد. واستند إلى المعلومات التي قدمها إليه ابن شقيق رئيس الأركان في سورية حول الخلافات في صفوف القيادة السورية، بما في ذلك فك الوحدة بين سورية ومصر، ومحاولات إبرام تحالف مع العراق، وكذلك محاولات شراء أسلحة جديدة.
في عام 1962، التقى كوهين بالإعلامي السوري جورج سالم سيف، إذ تدعي الصحيفة أن ترتيب اللقاء تمّ من قبل الموساد. وقام سيف باستضافته وإجراء مقابلة معه باعتباره سورياً عائداً من الأرجنتين. وعزّز كوهين علاقته بصديقه الجديد بشكل دائم، إذ اتضح لاحقاً أن سيف كان، بحسب محضر الجلسة 30، المصدر الأساسي للمعلومات التي حصل عليها إيلي كوهين. وحرص كوهين في هذه الفترة على ارتياد المواقع والمراكز الترفيهية التي كان يرتادها كبار المسؤولين السوريين والنخبة في سورية، بما في ذلك "أورينت كلوب"، ومواصلة الصرف ببذخ ظاهر.


وبحسب الصحيفة، فقد كان لإيلي كوهين حظ، كما يحدث مع الجواسيس، عندما وقع الانقلاب في سورية، وصعد حزب "البعث" إلى الحكم في مارس/ آذار 1963، ومن ضمنهم أمين الحافظ، الذي كان قد تعرف إلى كوهين عندما كان الحافظ ملحقاً عسكرياً للسفارة السورية في الأرجنتين.
وأقرّ كوهين في جلست المحكمة 36 بأنّه وصل إلى المواقع العسكرية الأمامية في الجولان عبر معزة زهر الدين، الذي تولّى إصدار التأشيرات من خلال عمله رئيساً للأركان. ويُقرّ بأنه قام بجولة مع صديقه وشخص آخر وصولاً إلى القنيطرة والحمة السورية، وهناك في الفندق حضر ضباط كانوا يتحدثون بحرية تامة، مشيراً إلى أنه رأى هناك الخرائط المفصلة مع مواقع الجيش السوري. ولاحقاً، زار كوهين الجولان خمس مرات، وبدأ يبعث بالرسائل والمعلومات بكثرة، متجنّباً الحذر، بما في ذلك إثارة الشكوك، بعد أن تم نشر أنباء داخلية في الإذاعة الإسرائيلية حتى قبل بثها في سورية.
دلالات
المساهمون