07 اغسطس 2024
قراءتان في أهمية زيارة السيسي واشنطن
يمكن تقسيم التحليلات الخاصة بالمنتظر تحقيقه من زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للعاصمة الأميركية واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اليوم (3 إبريل/ نيسان) إلى قراءتين، إحداهما تتصدرها كتابات إسرائيلية ومصرية ويمينية أميركية تميل إلى المبالغة والتعظيم من أهمية اللقاء، وتعتبره أكبر من لقاء يدور حول العلاقات بين مصر وأميركا، والثانية تتبناها مؤسسات أميركية كبعض مراكز الأبحاث، بالإضافة إلى أعضاء في الكونغرس، تحتوي على قدر لا يستهان به من المخاوف والمحاذير.
تعطي القراءة الأولى أهمية كبيرة للزيارة، باعتبارها أكبر من زيارة تاريخية، هي الأولى للسيسي لواشنطن، وأكبر من زيارة تتعلق بالعلاقات بين البلدين، حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن زيارة السيسي إقليمية بالأساس تأتي في إطار تنافس إقليمي، وتحديدا بين مصر والسعودية، على صياغة رؤية ترامب للمنطقة.
يرى أصحاب هذا التوجه أن ترامب، الذي استقبل ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في منتصف مارس/ آذار في البيت الأبيض، وسيلتقى العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، بعد غد الأربعاء، يعكف على صياغة تصوره العام لسياسته تجاه المنطقة، وهو أميل إلى الرؤية المصرية التي يتزّعمها السيسي، حيث يحاول السعوديون جذب ترامب نحو مواجهة أكبر مع إيران، والتخلص من نظام بشار الأسد في مقابل إعلانهم عن استثمارات ضخمة في الولايات المتحدة تقدر بعشرات المليارات. في المقابل، يميل ترامب، لأسباب شخصية وأخرى إيدولوجية، إلى رؤية السيسي للمنطقة، وهي تقوم على العداء للتيارات الدينية على طول الخط، سواء في سورية أو مصر أو ليبيا، والتركيز على بناء سلطة الدولة المركزية عبر العالم العربي، والاعتماد على مؤسسات أمنية قوية، وخصوصا الجيوش وقادتها، حيث تميل مصر إلى الحفاظ على مؤسسة الجيش السوري، وإلى دعم خليفة حفتر في ليبيا، ويرفض المصريون التوغل في حرب اليمين.
ويرى أصحاب هذا التوجه أن ترامب أقرب إلى وجهة النظر المصرية، فهو مقتنع كثيرا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على المستوى الشخصي، ويشاركه العداء نفسه للتيارات الدينية التي تنفتح عليها المملكة في بلدان كسورية، ولا يريد توريط بلاده في مواجهات مكلفة، سواء مع إيران أو في سورية أو اليمن.
لذا، يتوقع هؤلاء أن تكون زيارة السيسي لواشنطن ذات ثقل كبير في التأثير على رؤية ترامب
للمنطقة ككل، وعلى حساب رؤية السعودية نفسها. لذا يتنظرون أن يكون الحديث في اللقاء عن ملفات إقليمية مهمة، وخصوصا سورية وليبيا، وليس مجرد حديث ثنائي عن العلاقات بين البلدين. وفي مقابل هذا الاتجاه، يتبنى آخرون، ومنهم أعضاء في الكونغرس ومراكز أبحاث أميركية وباحثون كبار، نظرة أكثر واقعية، إن لم تكن مليئة بالمحاذير، حيث يرى هؤلاء أن زيارة السيسي ترامب محفوفة بأكثر من تحدٍّ، يحد من أهميتها. حيث يحذر هؤلاء أولا من الطبيعة الشخصية لكل من ترامب والسيسي، فكلاهما يتميز بالشعبوية في تفكيره، وبافتقاره لتصورات واضحة لسبل تحقيق تصوراته على أرض الواقع، ناهيك عن تغاضيهما عن قضايا أخرى، مثل حقوق الإنسان وخطابها السلبي تجاه التيارات الدينية، ويخشى أصحاب هذا التوجه من أن يمر لقاء ترامب والسيسي بشكل يركز على الخطاب، لا المضمون، وأن يبالغ الطرفان في التوقعات والثناء من دون تبعات، وأن يزيد كل طرف من غرور الآخر الشخصي، من دون أن يساهما في تحقيق تطور حقيقي في العلاقات المصرية الأميركية خلال الفترة الحالية.
يتعلق التحذير الثاني بالتحديات التي تواجهها مصر داخليا سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وتأثيرها على قدرات مصر وثقلها، بوصفها حليفا للولايات المتحدة في المنطقة. بعبارة أخرى، يخشى بعضهم من أن التحديات التي تواجهها مصر حاليا تجعلها غير قادرة على أن تقدم الكثير في علاقتها مع الولايات المتحدة، حيث تعاني مصر من غياب الأفق السياسي الداخلي، في غياب أي سياسة واضحة للنظام في التعامل مع معارضيه، كما تواجه مصر تحدياً أمنياً مع الجماعات العنيفة في سيناء يُخشى من تفاقمه، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية، وافتقار النظام المصري أي تصور واضح لسبل الخروج منها بشكل أزعج حلفاء النظام الخليجيين أنفسهم، كما تشير دراسة لمركز أبحاث التقدّم الأميركي.
في ظل هذه التحدّيات، يرى بعضهم أن النظام المصري يحتاج الدعم، ويعيش عليه، حيث تخشى القوى الإقليمية والدولية من انهياره. ولكن، للأسف لا يقدم الكثير ولا يمتلك الثقل الذي يؤهله للتنافس الإقليمي، أو في ترجيح الكفة الأميركي في ملفات إقليمية مهمة، كالعلاقة مع إيران، أو المفاوضات مع إسرائيل.
يتعلق التحذير الثالث بالثمن الذي يمكن أن يطلبه ترامب من السيسي مقابلاً، حيث يرى هؤلاء أن ترامب، باعتباره رجل أعمال، حريصا على الحصول على بعض المكاسب من حلفائه، وقد يطلب من مصر مزيدا من التعاون الأمني في سيناء، أو لعب دور أكبر في أي جهود إقليمية تتعلق بالمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وقد يطالب السيسي أيضا بدور أكبر في تحالف عربي سني ضد إيران، وكلها مطالب لن تكون سهلةً على نظام السيسي.
في ضوء المحاذير السابقة، يرى هؤلاء أن السيسي يأتي إلى واشنطن بقائمة طويلة من
المطالب، تتعلق بتقديم مزيد من الدعم الاقتصادي والعسكري والاستثمارات، وكذلك إعلان أميركا جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، ويخشى هؤلاء أن تقديم مزيد من الدعم الأميركي للسيسي في تلك القضايا لن يكون سهلا، فترامب قرّر تخفيض ميزانية المساعدات الخارجية بشكل كبير، كما أن المساعدات الاقتصادية التي تحصل عليها مصر من أميركا ضئيلة للغاية (150 مليون دولار)، ولن تفيد كثيرا لو تمت مضاعفتها مثلا، كما يبدو أن الإدارة الأميركية قد تراجعت عن فكرة إعلان الإخوان منظمة إرهابية، خوفا من ردة الفعل الإقليمية، ومن تأثير إعلانٍ كهذا سلبيا على جهود أميركا لمحاربة جماعات، مثل داعش والقاعدة.
وفيما يتعلق بالمساعدات العسكرية، قد يطالب السيسي ترامب بالعدول عن سياسات أقرّها الرئيس السابق، باراك أوباما، من شأنها الحد من قدرة مصر على شراء الأسلحة وأنواعها، حيث أقر أوباما تعديلات على المساعدات العسكرية لمصر، تحد من السقف الائتماني الممنوح لمصر عند شراء الأسلحة، وتحديد أوجه إنفاق المساعدات العسكرية التي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا على أسلحة بعينها، ما حدّ من قدرة مصر على عقد صفقات ضخمة من الأسلحة الأميركية، ومن شراء أسلحة بعينها كالطائرات المتقدمة.
وفي النهاية، قد تكون الحقيقة خليطاً من التوجهين السابقين، فالواضح أن الزيارة تكتسب أهمية خاصة، وأن ترامب يريد أن يعطي للسيسي دفعة سياسية خلال سنوات حكمه، من شأنه تقوية الأخير داخليا وإقليميا، وهو ما ينسجم مع حرص النظام المصري، أخيرا، على لعب أدوار إقليميا أكثر استقلالية.
ولكن، من الواضح أيضا أن محدودية مقدرات النظام المصري، وما يعانيه من مشكلات داخلية، يحدان من قدرته على لعب دور إقليمي ودولي أكبر، أضف إلى ذلك التحديات التي يواجهها ترامب داخليا (مثل ظروف الولايات المتحدة وقيود مؤسسات الحكم الأميركية)، والتي تضع قيودا على ما يمكن أن يقدمه للنظام المصري من مساعدات.
وفي النهاية، تظل لزيارة السيسي واشنطن أهمية لا يستهان بها، تدفع كثيرين إلى متابعة ما سيصدر عنها من تصريحات وقرارات سياسية، لعلها ترشدهم عن طبيعة ما دار بين الرئيسين من مباحثات، وكيف ستنعكس على العلاقة بين البلدين في الفترة المقبلة.
تعطي القراءة الأولى أهمية كبيرة للزيارة، باعتبارها أكبر من زيارة تاريخية، هي الأولى للسيسي لواشنطن، وأكبر من زيارة تتعلق بالعلاقات بين البلدين، حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن زيارة السيسي إقليمية بالأساس تأتي في إطار تنافس إقليمي، وتحديدا بين مصر والسعودية، على صياغة رؤية ترامب للمنطقة.
يرى أصحاب هذا التوجه أن ترامب، الذي استقبل ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في منتصف مارس/ آذار في البيت الأبيض، وسيلتقى العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، بعد غد الأربعاء، يعكف على صياغة تصوره العام لسياسته تجاه المنطقة، وهو أميل إلى الرؤية المصرية التي يتزّعمها السيسي، حيث يحاول السعوديون جذب ترامب نحو مواجهة أكبر مع إيران، والتخلص من نظام بشار الأسد في مقابل إعلانهم عن استثمارات ضخمة في الولايات المتحدة تقدر بعشرات المليارات. في المقابل، يميل ترامب، لأسباب شخصية وأخرى إيدولوجية، إلى رؤية السيسي للمنطقة، وهي تقوم على العداء للتيارات الدينية على طول الخط، سواء في سورية أو مصر أو ليبيا، والتركيز على بناء سلطة الدولة المركزية عبر العالم العربي، والاعتماد على مؤسسات أمنية قوية، وخصوصا الجيوش وقادتها، حيث تميل مصر إلى الحفاظ على مؤسسة الجيش السوري، وإلى دعم خليفة حفتر في ليبيا، ويرفض المصريون التوغل في حرب اليمين.
ويرى أصحاب هذا التوجه أن ترامب أقرب إلى وجهة النظر المصرية، فهو مقتنع كثيرا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على المستوى الشخصي، ويشاركه العداء نفسه للتيارات الدينية التي تنفتح عليها المملكة في بلدان كسورية، ولا يريد توريط بلاده في مواجهات مكلفة، سواء مع إيران أو في سورية أو اليمن.
لذا، يتوقع هؤلاء أن تكون زيارة السيسي لواشنطن ذات ثقل كبير في التأثير على رؤية ترامب
يتعلق التحذير الثاني بالتحديات التي تواجهها مصر داخليا سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وتأثيرها على قدرات مصر وثقلها، بوصفها حليفا للولايات المتحدة في المنطقة. بعبارة أخرى، يخشى بعضهم من أن التحديات التي تواجهها مصر حاليا تجعلها غير قادرة على أن تقدم الكثير في علاقتها مع الولايات المتحدة، حيث تعاني مصر من غياب الأفق السياسي الداخلي، في غياب أي سياسة واضحة للنظام في التعامل مع معارضيه، كما تواجه مصر تحدياً أمنياً مع الجماعات العنيفة في سيناء يُخشى من تفاقمه، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية، وافتقار النظام المصري أي تصور واضح لسبل الخروج منها بشكل أزعج حلفاء النظام الخليجيين أنفسهم، كما تشير دراسة لمركز أبحاث التقدّم الأميركي.
في ظل هذه التحدّيات، يرى بعضهم أن النظام المصري يحتاج الدعم، ويعيش عليه، حيث تخشى القوى الإقليمية والدولية من انهياره. ولكن، للأسف لا يقدم الكثير ولا يمتلك الثقل الذي يؤهله للتنافس الإقليمي، أو في ترجيح الكفة الأميركي في ملفات إقليمية مهمة، كالعلاقة مع إيران، أو المفاوضات مع إسرائيل.
يتعلق التحذير الثالث بالثمن الذي يمكن أن يطلبه ترامب من السيسي مقابلاً، حيث يرى هؤلاء أن ترامب، باعتباره رجل أعمال، حريصا على الحصول على بعض المكاسب من حلفائه، وقد يطلب من مصر مزيدا من التعاون الأمني في سيناء، أو لعب دور أكبر في أي جهود إقليمية تتعلق بالمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وقد يطالب السيسي أيضا بدور أكبر في تحالف عربي سني ضد إيران، وكلها مطالب لن تكون سهلةً على نظام السيسي.
في ضوء المحاذير السابقة، يرى هؤلاء أن السيسي يأتي إلى واشنطن بقائمة طويلة من
وفيما يتعلق بالمساعدات العسكرية، قد يطالب السيسي ترامب بالعدول عن سياسات أقرّها الرئيس السابق، باراك أوباما، من شأنها الحد من قدرة مصر على شراء الأسلحة وأنواعها، حيث أقر أوباما تعديلات على المساعدات العسكرية لمصر، تحد من السقف الائتماني الممنوح لمصر عند شراء الأسلحة، وتحديد أوجه إنفاق المساعدات العسكرية التي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا على أسلحة بعينها، ما حدّ من قدرة مصر على عقد صفقات ضخمة من الأسلحة الأميركية، ومن شراء أسلحة بعينها كالطائرات المتقدمة.
وفي النهاية، قد تكون الحقيقة خليطاً من التوجهين السابقين، فالواضح أن الزيارة تكتسب أهمية خاصة، وأن ترامب يريد أن يعطي للسيسي دفعة سياسية خلال سنوات حكمه، من شأنه تقوية الأخير داخليا وإقليميا، وهو ما ينسجم مع حرص النظام المصري، أخيرا، على لعب أدوار إقليميا أكثر استقلالية.
ولكن، من الواضح أيضا أن محدودية مقدرات النظام المصري، وما يعانيه من مشكلات داخلية، يحدان من قدرته على لعب دور إقليمي ودولي أكبر، أضف إلى ذلك التحديات التي يواجهها ترامب داخليا (مثل ظروف الولايات المتحدة وقيود مؤسسات الحكم الأميركية)، والتي تضع قيودا على ما يمكن أن يقدمه للنظام المصري من مساعدات.
وفي النهاية، تظل لزيارة السيسي واشنطن أهمية لا يستهان بها، تدفع كثيرين إلى متابعة ما سيصدر عنها من تصريحات وقرارات سياسية، لعلها ترشدهم عن طبيعة ما دار بين الرئيسين من مباحثات، وكيف ستنعكس على العلاقة بين البلدين في الفترة المقبلة.