قراءات إيرانية متباينة بشأن احتمالات المواجهة مع أميركا

06 مايو 2019
أجرت إيران أربع مناورات عسكرية ضخمة (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

في وقت أصبحت فيه فرص الدبلوماسية والتفاوض شبه معدومة لنزع فتيل الأزمة، المتصاعدة يومياً، بين واشنطن وطهران، مما حدا بأوساط بحثية وإعلامية في الغرب والمنطقة إلى الحديث عن تزايد احتمالات نشوب مواجهة عسكرية بين الجانبين، خصوصاً بعد القرارات التصعيدية الأميركية الأخيرة، المتمثلة في تصنيف "الحرس الثوري" الإيراني "جماعة إرهابية" وفرض حظر شامل على الصادرات النفطية الإيرانية، تُطرح قراءات استشرافية مختلفة في طهران حيال احتمال شنّ واشنطن حرباً عليها، سواء كان ذلك مقصوداً أو جراء خلاف في وجهات النظر، ليستبعدها البعض بشكل نهائي، فيما يعتبرها آخرون تطوراً محتملاً ولو لم يكن وشيكاً، مع وجود رأي "خجول" يراها قريبة.

وبصرف النظر عن أهداف التخمينات الإيرانية "المختلفة" حول احتمالات وقوع مواجهة عسكرية مع أميركا من عدمها، سواء كانت بدافع طمأنة للداخل الإيراني، أو تحذيراً للإدارة الأميركية، أو الاثنين معاً، فلا أحد يملك إجابة شافية عن السؤال بشأن ما ستؤول إليه الأوضاع بين الجانبين خلال الفترة المقبلة، على وقع التصعيد الأميركي المتدرج والمتصاعد أخيراً، الأمر الذي ضيّق فرص أي تفاوض بينهما، إن لم يصفّرها، ليعتبر قادة وخبراء إيرانيون، وحتى من كان يدعو إلى هذا الخيار حتى أمس قريب لإنهاء الخلافات الثنائية، أن "التفاوض في هذه الظروف يعني الاستسلام والهوان والمذلة".

وتنذر التطورات المتسارعة في الملف الإيراني بأن مرحلة "لا سلام ولا حرب"، التي ظلت قائمة بين طهران وواشنطن طيلة 40 سنة بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، لا تتوافق مع المتطلبات الاستراتيجية التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتبدأ مرحلة جديدة، فإما سلام بمعايير ترامب، الذي حددت إدارته ملامحه ضمن 12 شرطاً، أو الاستمرار في التصعيد الراهن الذي قد ينتهي إلى مواجهة عسكرية، في حال شعرت واشنطن بأن حروبها الاقتصادية والسياسية والإعلامية لم تحقق أهدافها وأن طهران أصبحت تتأقلم مع الظروف الناتجة عنها وفقاً لاستراتيجية "لا تفاوض ولا حرب".

الموقف الأبرز بشأن استبعاد احتمال الحرب صدر عن المرشد الإيراني، علي خامنئي، يوم الخميس الماضي، والذي قال، في تصريح، إن "العدو" اتخذ وضعية الحرب ضد إيران في المجالات الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، "لكن على الصعيد العسكري يبدو أنه لم يتخذ وضعية الحرب". بدوره استثنى قائد "فيلق القدس" التابع إلى "الحرس الثوري" الإيراني، قاسم سليماني، بشكل كلي، احتمال وقوع حرب عسكرية على إيران. وفي مقطع فيديو له بعنوان "لن تحدث الحرب"، بثته وكالات أنباء إيرانية، يوم السبت الماضي، تساءل "ماذا يقول العدو نفسه؟ أي جون بولتون وسي آي إيه. بماذا أوصت الاستخبارات ترامب؟ بينما هم من ضمن المتطرفين. هم يقولون لا ينبغي أن نشتبك مع إيران ولو في نقطة واحدة". وشدد سليماني على أن ما يقوله "ليس تحليلاً وإنما معلومات"، مضيفاً أن "العدو يرى أنه لا ينبغي أن يُقدم على أي خطوة عسكرية، لأنها في هذه الظروف، يمكن أن تؤدي إلى حرب لا نهاية لها وتعرّض مصالحه للخطر".



إلا أنه وبينما استبعد سليماني تماماً وقوع مواجهة عسكرية بين طهران وواشنطن، اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أخيراً أن وقوعها "ليس وشيكاً" من دون أن يستبعدها كلياً، مع إطلاق تحذيرات من أن حوادث بالصدفة قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية، وذلك في سياق حديثه عن مناوشات محتملة في مضيق هرمز الاستراتيجي "كونه يخضع لرقابة الحرس الثوري الإيراني" أو الإشارة إلى حالات سابقة، مثل استيلاء "الحرس" على زورقين للبحرية الأميركية في يناير/ كانون الثاني 2016 في مياه الخليج، واعتقاله 10 عسكريين أميركيين كانوا على متنهما. واللافت في تصريحات ظريف وسليماني أنه فيما يقول الأخير إنه حتى "المتطرفين الأميركيين"، أمثال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، لا يريدون حرباً ضد إيران "لخطورة ذلك"، فقد أكد وزير الخارجية الإيراني مرات عدة، أخيراً، خصوصاً خلال زيارته نيويورك أخيراً للمشاركة في اليوم الدولي للتعددية والدبلوماسية من أجل السلام في الأمم المتحدة، أن المقربين من ترامب، وفي مقدمتهم بولتون، يعملون على استدراج الرئيس لشن حرب على إيران. ولفت إلى أن بلاده لا تريد الحرب، وترامب أيضاً لا يريد الحرب معها، لكن "الباءات الأربع" تسعى إلى دفعه لاتخاذ قرار بشنّ حرب على إيران، في إشارة إلى بولتون، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. وفي السياق، حذّر وزير الخارجية الإيراني، خلال مقابلة صحافية أخيراً، حلفاء واشنطن في المنطقة حال نشوب مواجهة عسكرية، قائلاً إنهم "لن يكونوا في مأمن عن أي مواجهة أميركية إيرانية".

في موازاة ذلك، تصاعدت تصريحات قادة عسكريين إيرانيين أخيراً حول ضرورة التأهب عسكرياً لمواجهة التهديدات "الجادة"، بالإضافة إلى إجراء أربع مناورات عسكرية ضخمة خلال الأشهر الأربعة الماضية، لتوحي بأن احتمال وقوع مواجهة عسكرية بين إيران من جهة، وأميركا وحلفائها من جهة أخرى، أصبح ضمن التوقعات المحتملة في الحسابات الإيرانية. وكان القائد العام للجيش الإيراني عبد الرحيم موسوي قد أعلن، الأربعاء الماضي، أن بلاده تواجه "اليوم تهديدات جادة، وعلى القوات المسلحة أن تكون على أهبة الاستعداد لمستوى استراتيجية الهجوم المباغت، وممارسة تمرين الحرب". وأعلن رئيس هيئة الأركان محمد باقري، في وقت سابق، أن بلاده تواجه "تهديدات غير متماثلة من قبل القوى العظمى، وأخرى متماثلة من أعوان هذه القوى".

لكن الخبير الإيراني المقرب من مراكز صنع القرار، سعد الله زارعي، قدم، أول من أمس، قراءة مختلفة في سياق استبعاده الحرب، قائلاً إنه "من الطبيعي أن تتحدث القوات العسكرية الإيرانية، من الجيش والحرس، عن استعداد عسكري لمواجهة التهديدات، لأن طبيعة عملها تقتضي ذلك"، كاشفاً، في حديث لوكالة "تسنيم"، أن "السلطات الأميركية بعثت برسالة رسمية إلى السلطات الإيرانية العليا في الآونة الأخيرة، أكدت فيها أن أميركا لا تنوي خوض مواجهة عسكرية مع إيران". لكن رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني السابق، محمد سرافراز، يملك رأياً مختلفاً تماماً، متوقعاً أن "تشن أميركا حرباً على إيران بعد رمضان". وقال سرافراز، الذي يعتبره البعض مقرباً من الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، وأصبح يدلي بتصريحات "مثيرة" أخيراً، في فيديو نشرته وسائل إعلام إيرانية، الأربعاء الماضي، إن "السلطات الإيرانية تدرك ذلك (وقوع الحرب) وتبحث عن حل لهذه المسألة"، مضيفاً أن "البعض يرى أنه يجب التفاوض لمنع وقوع الحرب وآخرين يرون أنه يجب الرد عسكرياً بقوة كبيرة." أما في ما يتعلق بطبيعة الحرب "المحتملة" بين إيران وأميركا، فقد استبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، ناصر هاديان، في مقابلة صحافية قبل أيام، أن تكون من نوعية "الحرب المخطط لها مسبقاً"، مشيراً إلى أنه درس ثلاثة أنواع من الحروب، هي "الحرب بالصدفة"، و"الحرب الترغيبية" و"الحرب المخططة مسبقاً".

المساهمون