قراءات إسرائيلية للمواجهة السيبرانية مع إيران

20 مايو 2020
الهجوم استهدف النظام المعلوماتي بميناء رجائي (ماجد سعيدي/ Getty)
+ الخط -
أبدت وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماماً كبيراً بقراءة الهجمات الإلكترونية التي استهدفت ميناء رجائي، في مدينة بندر عباس، جنوبي إيران، والتي يُرجَّح أنها جاءت رداً على الهجمات التي استهدفت المنظومات المحوسبة التي تتحكم في مرافق المياه والمجاري في إسرائيل.

وقد اعتبرت "هآرتس" أن الهجوم الإلكتروني الذي استهدف، في التاسع من مايو/أيار الجاري، ميناء رجائي، وأدى إلى تعطيل مرافقه بشكل كبير، يأتي في إطار محاولة إسرائيل ردع طهران عن استهداف مرافقها المدنية الحيوية وتكريس خطوط حمراء في المواجهة في الفضاء الإلكتروني بين الجانبين.

وفي تحليل نشرته اليوم وأعده معلّقها العسكري، عاموس هارئيل، أشارت الصحيفة إلى أن أطرافاً في الولايات المتحدة أو إسرائيل حرصت عن قصد على تسريب نبأ شنّ الهجوم على الميناء الإيراني، بهدف تعزيز المضامين الردعية للهجوم.

وحسب هارئيل، فإن الهجوم على ميناء رجائي يهدف إلى إيصال رسالة للإيرانيين مفادها أنّ المسّ بالمرافق المدنية يُعَدّ "خطاً أحمر"، وأن الأضرار التي ستتعرض لها المنشآت المدنية الإيرانية جراء الرد الإسرائيلي ستكون أكبر مما يمكن أن ينجم عن أي هجوم إيراني على مرافق إسرائيلية.

ولفت هارئيل إلى أنه قبل يومين من تنفيذ الهجوم الإلكتروني على الميناء الإيراني، عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون الأمن اجتماعاً عاجلاً وتناول بحث سبل الرد على الهجوم الإلكتروني على مرافق شركة المياه الإسرائيلية.

ولا يستبعد هارئيل أن تكون هناك علاقة بين الهجمات الإلكترونية المتبادلة بين إيران وإسرائيل والصراع الدائر بين الجانبين في سورية. وحسب المعلق الإسرائيلي، من غير المستبعد أن تكون إيران قد كثفت من هجماتها الإلكترونية على أهداف إسرائيلية بسبب إدراكها ميل موازين القوى العسكرية لمصلحة إسرائيل، الذي يسمح لها بتكثيف غاراتها على الأهداف الإيرانية والمليشيات المتحالفة مع طهران في سورية.

وأوضح هارئيل أن "السايبر" تحول منذ أكثر من عقد إلى ساحة من ساحات المواجهة الرئيسة بين إسرائيل من جهة وكل من إيران و"حزب الله"، مشيراً إلى أن الهجوم بفيروس "stuxnet" الذي نسب إلى كل من إسرائيل والولايات المتحدة، واستهدف في 2009 المنشآت النووية الإيرانية قد أدى في حينه إلى تعطيل عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم، ما أدى تالياً إلى إبطاء تطور المشروع النووي الإيراني.


تحذير من الاستخفاف بقدرات "السايبر" الإيرانية
إلى ذلك، حذر مسؤول إسرائيلي سابق عن وحدة "السايبر" في جهاز الاستخبارات "الشاباك" من خطر الاستخفاف الإسرائيلي بقدرات "السايبر" الإيرانية.
وقال أريك باربينغ، في مقابلة إذاعية اليوم، إن "مميزات الهجوم السيبراني الذي تعرضت له إيران تشير إلى أن من يقف خلفه هو طرف على مستوى دولة أو قوة سيبرانية قوية، مع قدرات منوعة وعميقة"، مضيفا أن "هذه القوة أو الطرف تملك قبل كل شيء قدرات استخباراتية، لأنه لا يمكن استهداف مواقع من دون أن تملك مسبقا معلومات، ونتحدث هنا عن معلومات سايبرية إلكترونية تكنولوجية غير بسيطة".

وأوضح باربينغ أن "الخطوة الأولى في هذه الحروب هي توفير المعلومات ثم بناء صواريخ سيبرانية وأدوات أخرى تستطيع اختراق الأماكن الصحيحة التي يمكنك تفعيلها عندما تريد ذلك"، مشيراً إلى أنه "في حالة حرب السايبر يجب أن تبقى على تواصل (أون لاين) دائم مع الهدف الذي ترغب في نهاية المطاف في اختراقه والتشويش على عمله".

وتطرّق باربينغ إلى الهجوم الإيراني على سلطة المياه الإسرائيلية، في إبريل/نيسان الماضي، فاعتبر أن ذلك في حال ما إذا كانت إيران من نفذ الهجوم، لم يستهدف شبكة أو منظومة معلوماتية، وإنما منظومات هي في واقع الحال شبكات محوسبة مرتبطة بمجسات ومضخات المياه، ولمنظومات إضافية تنظم تدفق المياه وتصريف مياه الصرف الصحي.

وقال إن من نفّذ هذه العمليات لا يمكن القول عنه بأنه "مجرد ناموسة" أو نوع من الهاكرز الذين يرسلون برامج فيروسية مختلفة، داعياً إلى عدم الاستخفاف بإيران. وقال في هذا الصدد: "يوجد لها الكثير من الأدمغة، والقدرات. صحيح أنها لا تصل إلى مستوى القدرات المتوفرة لإسرائيل، التي تعتبر واحدة من الدول الكبرى في مجال السايبر في العالم".

وزعم باربينغ أن إسرائيل تتقدم على إيران كثيرا في هذا المجال، وبأنهما "ليسا من نفس الدوري". وأوضح أن إسرائيل بدأت في بناء قواتها في هذا المضمار قبل أكثر من عقد من السنين، ولدينا اليوم قانون خاص للحماية السيبرانية.

وتابع قائلا "كافة الأجهزة والشبكات الضرورية عندنا تدار أغلبها من قبل مقر الهيئة السيبرانية، والتي تعمل مع سلطات الأمن والاستخبارات. نحن متطورون جدا في مجال الحماية والدفاع. وبطبيعة الحال، يبدو أننا متفوقون في قدرات أخرى".

حرب الظلال
من ناحيته، عدّ المراسل العسكري لصحيفة "معاريف"، طال لفرام، الهجمات الإلكترونية المتبادلة الأخيرة، جزءاً من "حرب الظلال" الدائرة بين إيران وإسرائيل.

وفي تحليل نشرته الصحيفة اليوم، أشار لفرام إلى أن التهديدات التي تمثلها القدرات الإيرانية في المجال السيبراني للمرافق والبنى التحتية المدنية في إسرائيل، باتت "غير مسبوقة".

وأوضح أن ما يثير القلق في أعقاب الهجوم الإلكتروني الذي استهدف مرافق شركة المياه ومنظومة المجاري في إسرائيل، أن طهران قدرت مسبقاً أن تل أبيب ستتمكن من تحديد هوية من نفذ الهجوم، وأنها سترد عليه بشكل مناسب، ومع ذلك نفذت الهجوم.

ولفت إلى أن الهجمات الإلكترونية المتبادلة تمنح كلاً من إسرائيل وإيران الفرصة لمعرفة القدرات الهجومية لدى كل طرف وبناء وسائل دفاعية وقدرات هجومية جديدة، مشيراً إلى أن هناك قائمة طويلة من الأحداث التي تعدها إسرائيل محاولات لشنّ هجمات إلكترونية على مرافقها المدنية.

وأشار إلى أن مصادر التهديد في الفضاء الإلكتروني لا تقتصر على إسرائيل، وأن الهجمات الإلكترونية التي شنتها حركة "حماس" على أهداف إسرائيلية دفعت تل أبيب إلى مهاجمة هيئة السايبر التابعة للحركة خلال جولة التصعيد التي اندلعت قبل عام.

ولفت إلى أن استهداف القدرات السيبرانية لحماس لم يردع الحركة عن مواصلة تطوير قدراتها في هذا المجال؛ مشيراً إلى أن عالم السايبر لا يمنح الجيوش فقط الفرص لتعزيز قدراتها القتالية، بل يمدّ أيضاً المنظمات، كـ"حزب الله"، بقدرات في هذا المجال.

وأوضح أن إسرائيل باتت مطالبة بتأمين منظومات حماية كبيرة وقوية للكثير من البنى التحتية في أعقاب تعاظم القدرات السيبرانية لكل من إيران وحماس و"حزب الله".
ويرى لفرام أنه على الرغم من التغطية الواسعة لآثار الهجمات الإلكترونية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، فإن تأثير هذه الهجمات ينحصر حتى الآن في مجال الوعي أكثر من تسببها في أضرار مادية ولا تعبّر عن إعلان حرب إلكترونية شاملة بين الجانبين.

في السياق، ربطت صحيفة "يديعوت أحرنوت" بين الهجمات الإلكترونية التي استهدفت الميناء الإيراني والتصريحات التي أدلى بها، الليلة الماضية، رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، والتي تحدث فيها عن "عشرات الهجمات التي نفذتها إسرائيل في الآونة الأخيرة والتي أثبتت تفوق إسرائيل الاستخباري وقوة نارها".



من ناحيته، قال العميد المتقاعد يوسي كوفرسور، الذي سبق أن شغل قيادة لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، للإذاعة الرسمية "كان"، إن الإيرانيين حاولوا، من خلال الهجوم على مرافق المياه والمجاري في إسرائيل، إيصال رسالة مفادها بأنهم قادرون على جباية ثمن، وإن كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة تحسنان صنعاً إذا لم تحاولا الاحتكاك بها.