إضافة إلى الحرب والغارات الجوية المستمرة في سورية، يواجه المدنيون خطراً مختلفاً يتمثل في القنابل غير المنفجرة والتي لم تحدّد مواقعها، ما يهدّد حياة الناس، وقد سقط الكثير من الضحايا حتى اليوم
تُشكّل القذائف غير المنفجرة خطراً داهماً يتهدّد سكان الكثير من المناطق السورية التي تعرّضت للقصف من قبل قوات النظام، ولم تنفجر القذائف لحظة إطلاقها. وتحوّلت المناطق التي كانت محاور لجبهات قتال إلى حقول ألغام تهدّد سكان المناطق الذين يعودون إليها بعدما تهدأ المعارك.
وتعدّ منطقة جبل شحشبو في ريف حماه الغربي من أكثر المناطق التي تشكل خطراً على حياة الناس العائدين إليها. وجبل شحشبو يمتد ما بين ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، ويقع الجزء الأكبر منه في ريف حماه الشمالي أي بنسبة 70 في المائة، في وقت يقع الجزء الآخر في ريف إدلب الجنوبي بنسبة 30 في المائة. ويضم الجبل أكثر من 22 قرية، معظمها ريفية صغيرة، من بينها قرى شيرمغار وشهرناز والكركات والديرونة والصهرية والعريمة واللبويب وجب سليمان ودير سنبل وشورلين وكوكبا وميدان الغزال وغيرها. هذه القرى بطبيعتها زراعية. وتضم كل قرية من قرى جبل شحشبو ما بين ألف وثلاثة آلاف نسمة. وبعد بدء الحملة العسكرية والتصعيد العنيف من قبل قوات النظام وروسيا مطلع شهر مايو/ أيار الماضي، نزح غالبية سكان جبل شحشبو نحو مخيمات الشمال السوري بسبب القصف الشديد جواً وبراً، والذي استهدف الأحياء السكنية بشكل خاص.
غارات جوية
وتعرضت قرى جبل شحشبو، خصوصاً الجنوبية منها، مثل قرى شهرناز وجب سليمان وشير مغار والكركات والمستريحة والصهرية، إلى مئات الغارات الجوية التي شنّها الطيران الحربي الروسي التابع للنظام السوري، والبراميل المتفجرة، إضافة إلى آلاف القذائف المدفعية والصاروخية وقذائف الهاون. ومنذ بداية التصعيد على المنطقة، لوحظ أن نسبة كبيرة من القذائف لم تنفجر وتناثرت في أراض زراعية كان الأهالي قد زرعوها قبل النزوح.
وتفيد مصادر رفضت الكشف عن هويتها بأن 30 في المائة من القذائف الصاروخية التي سقطت على قرى جبل شحشبو، وتحديداً قرى شهرناز وشورلين والصهرية، لم تنفجر حتى الآن. وما زالت متناثرة في محيط هذه القرى حيث الأراضي الزراعية، ما يهدد المدنيين في حال عادوا إلى قراهم بعد توقف التصعيد. والمشكلة الأكبر تتمثل في عدم اكتشاف أماكن معظم هذه القذائف.
حيان الشيخ دحام (46 عاماً) من أبناء قرية كنصفرة في ريف إدلب الجنوبي، والذي كان متخصصاً في تفكيك الألغام مع أحد الفصائل العسكرية في المنطقة، يقول لـ "العربي الجديد": "الذخائر غير المنفجرة هي تلك التي تسقط من دون أن تنفجر ساعة إطلاقها". ويشير إلى أن الذخائر التي تنفجر من خلال تعرّض صاعقها للضغط هي من أكثر أنواع الذخائر خطورة، خصوصاً إذا ما تواجدت في أماكن يقصدها المدنيون. وفي حال تحديد أماكن تواجدها، يمكن للفرق المتخصصة تفجيرها عن بعد أو وضع علامات تحذيرية للمدنيين حتى لا يقتربوا من المكان". يضيف: "بطبيعة الحال، تختلف أشكال وألوان وأحجام وأنواع هذه الذخائر، منها الرصاص الثقيل والمقذوفات المدفعية والصواريخ التي تطلق بواسطة الطيران الحربي. وفي منطقة جبل شحشبو في ريف حماه الغربي، ومناطق أخرى في ريفي إدلب وحماه، مئات القذائف غالبيتها صاروخية تطلق بواسطة راجمة الصواريخ. وفي حال عدم سقوط هذا النوع من القذائف بشكل صحيح، فإنها تبقى مشكلة تهدد أرواح المدنيين الذين يمكن أن يعودوا إلى قراهم وبلداتهم إذا ما تم التوصل إلى حل ووقف إطلاق النار".
كما أن بعض قذائف الدبابة لا تنفجر. وترد أنباء من مناطق عدة خصوصاً في جبل شحشبو في ريف حماه الغربي، عن وجود الكثير من هذه القذائف غير المنفجرة، تحديداً في الأراضي الزراعية المحيطة بكل قرية تعرضت للقصف. ومن بين هذه القرى قرية شهرناز، التي تعد خط تماس وطريق إمداد للفصائل المقاتلة، نظراً لوجودها إلى الشمال من قرية الكركات التي سيطرت عليها قوات النظام في الآونة الأخيرة بغطاء جوي روسي.
أما مهند عبد اللطيف البكور، وهو من أبناء قرية شهرناز في جبل شحشبو في ريف حماه الغربي، فيقول لـ "العربي الجديد": "قبل أن تأخذ الحملة العسكرية طابعاً تصعيدياً خطيراً، كانت قوات النظام قد بدأت منذ بداية شهر أبريل/ نيسان قصف معظم قرى جبل شحشبو بواسطة قذائف صاروخية من حواجزها ومعسكراتها المنتشرة في العديد من القرى والبلدات، مثل معسكر بريديج ومعسكر جورين وحاجز النحل في مدينة السقيلبية.
يضيف: "خلال شهر واحد، أحصينا أكثر من 30 قذيفة دبابة وصاروخية لم تنفجر وتناثرت في الأراضي الزراعية في محيط قرية شهرناز من الناحية الشرقية والغربية والشمالية. ومع بدء التصعيد العنيف في مايو/ أيار، خرجنا من القرية (أكثر من ثلاثة آلاف نسمة)، باتجاه مناطق الشمال السوري، باستثناء بعض الشباب الذين بقوا لحماية ممتلكات المدنيين من السرقات. وبدأ القصف يشتد على القرية والقرى المحيطة بشتى أنواع الأسلحة حتى المحرمة منها. وكانت تردنا أخبار أن العديد من القذائف لا تنفجر لحظة إطلاقها، ما نعتبره تهديداً خطيراً على أرواحنا. نحن في جبل شحشبو مزارعون، وفي حال عودتنا، سنعاود العمل في الزراعة كونها مصدر قوتنا الوحيد. ومعظم هذه القذائف سقطت في أراض زراعية، ويصعب حتى على فرق الدفاع المدني تحديدها والتخلص منها".
ألغام أرضية
ليست منطقة جبل شحشبو في ريف حماه الغربي الوحيدة التي تأثرت بفعل مخلّفات الحرب، بل إنّ هذا حال العديد من المناطق سورية مثل منطقة ريف حماه الشرقي ومنطقة شرق سكة الحجاز. وكانت قوات النظام قد سيطرت في أكتوبر/ تشرين الأول في عام 2017، على كامل منطقة ريف حماه الشرقي، بعد معارك عنيفة خاضتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، إضافة إلى فصائل المعارضة المسلحة. ونتيجة هذه المعارك في مناطق ريف حماه الشرقي، بقيت آلاف المخلفات الحربية، خصوصاً الألغام الأرضية التي تزرع بهدف إيقاع القوات المهاجمة، إضافة إلى القنابل العنقودية التي تطلق بواسطة الطيران الحربي، ومختلف أنواع الذخائر.
ومنذ بداية سيطرة قوات النظام والمليشيات المساندة على الريف الحموي الشرقي، تسببت هذه المخلفات بسقوط مئات المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، عدا عن إصابة كثيرين. ويرتبط ارتفاع نسبة الضحايا بانتشار هذه المخلفات الحربية في الأراضي الزراعية التي يرتادها المزراعون بشكل دائم. كما تنتشر على امتداد الطرقات الفرعية التي تصل بعض القرى والبلدات بعضها ببعض. ويعدّ سكان ريف حماه الشرقي مزارعين بالدرجة الأولى.
يُشار إلى أنه في تاريخ 25 فبراير/ شباط من العام الجاري، قتل 20 مدنياً، غالبيتهم نساء وأطفال تترواح أعمارهم ما بين 16 و20 عاماً. ومعظم هؤلاء مزارعين كانوا يعملون في قطاف الكمأة في منطقة وادي العذيب على مقربة من قرية المشيرفة في ريف حماه الشرقي. ومن بين المناطق السورية المليئة بالذخائر غير المنفجرة والألغام الأرضية ومخلفات الحرب، مدينة الرقة وريفها اللذان كانا خاضعين لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. والأخير اعتمد منذ بداية سيطرته على مختلف المناطق السورية على تفخيخ وتلغيم الطرقات والأحياء، ما جعل المناطق التي تواجد فيها مليئة بآلاف القنابل والصواريخ والألغام غير المتفجرة، ما يؤدي إلى سقوط الكثير من الضحايا.
وتبيّن إحصائيات صادرة عن مدينة الرقة بداية العام الجاري، وجود أكثر من 1300 حالة بترت أطرافها في مدينة الرقة، نتيجة انفجار مخلّفات حربية في المدينة، نسبة كبيرة منها نساء وأطفال. كما تنتشر في مناطق متفرقة في ريف دير الزور، خصوصاً الريف الشرقي، مئات مخلفات الحرب من ذخائر غير منفجرة وقنابل وألغام أرضية، تسببت في مقتل وجرح عشرات المدنيين من نساء وأطفال.
وتعدّ دير الزور من أكثر المناطق التي شهدت معارك طاحنة، واستخدمت فيها معظم أنواع الأسلحة. وعمل "داعش" منذ سيطرته على المنطقة على تأمين خطوط دفاعه الأولى من خلال زرع الألغام في الأراضي الزراعية والصحراوية الشاسعة، إضافة إلى تفخيخ المنازل القديمة والمهجورة، وجعلها كمائن للقوات المهاجمة.
وبعد تحريرها من قبضة التنظيم من قبل قوات سورية الديمقراطية، والسماح للأهالي بالعودة إلى قراهم وبلداتهم، قتل وجرح العشرات من جراء انفجار هذه الذخائر. كما تنتشر مثل هذه المخلفات في العديد من المناطق السورية على غرار ريف حمص وريف درعا والغوطة الشرقية ومناطق في جبل الزاوية في ريف إدلب.
وكانت قوات النظام والمليشيات المساندة له وبغطاء جوي روسي مكثف، قد بدأت في مطلع شهر مايو/ أيار الماضي، تصعيداً خطيراً على قرى وبلدات ريف حماه الشمالي والغربي وريف إدلب الجنوبي، تمثل في شن آلاف الغارات الجوية بالطائرات الحربية، وإلقاء آلاف البراميل المتفجرة من الطائرات المروحية، إضافة إلى آلاف القذائف المدفعية والصاروخية وقذائف الهاون. وتبع هذا التصعيد شن عملية عسكرية برية من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة في محاولة لبسط سيطرتها على كل المناطق الخارجة عن سيطرته في الشمال السوري. وتمكنت القوات المهاجمة خلال هذه العملية البرية، من بسط السيطرة بشكل كامل على أكثر من 18 قرية وبلدة في ريف حماه الشمالي والغربي، منها بلدتا كفرنبودة وقلعة المضيق وقرى باب الطاقة والحمرا والحويز والكركات. وتسببت الحملة في حركة نزوح كبيرة لأكثر من نصف مليون نسمة في اتجاه مخيمات الشمال السوري والمناطق الحدودية. كما تسببت بمقتل وجرح مئات المدنيين إضافة إلى خسائر مادية فادحة.