قبل فوات الأوان

02 فبراير 2015
لوحة "الإهانة" لأنطونيو بياتي 1905 (دي أغوستيني/Getty)
+ الخط -
تضع الصحن فارغا وفيه شوكة متّسخة على المنضدة بجانب السرير. تسند ظهرها إلى الحائط، بين فراغات الحديد الذي يشكّل ظهر السرير. تكتّف يديها، ثم ترفع يداً تزيل فيها خصلة شعر تتدلى على وجهها. تنظر إلى المرآة المعلّقة قبالتها. شيء لم يتغير منذ أن نظرت إليها في المرّة الأخيرة، منذ بضع دقائق.

ترى في انعكاس الصورة جسد امرأة لا تعرفها تتكئ على الحائط وتشدّ رجليها إلى صدرها من فوق الغطاء الرقيق. إلى يمينها جسد رجل تعرفه أكثر يبدو لها صغيراً، ربما لأنه ينام كالصغار. أما إلى يسارها، فأداة فضيّة مصنوعة من الحديد، غريبة ولها ذراع طويلة. لها أيضا أطراف أربعة، تزداد حدّة في آخرها وتشبه الأسنان.

تفكّر أن هذه الأطراف تغزّ في عنقها، أو في يدها، أو في أية بقعة من جسدها. تبتعد وتميل نحو اليمين. تميل حتى تلتصق بالرجل الذي ينام قربها. كلما ألقت نظرة على المنضدة إلى يسارها، تقترب منه أكثر. تضع فمها عند أذنه، وتخال أنها تهمس له شيئا يشبه "يا ليتك تدعني أموت".

يستيقظ أخيرا، ويبتسم لها. يسحب يده من تحت الوسادة ويمسح طرف شفتها بإصبعه. تقول له: "كنت آكل المعكرونة برب البندورة. أظن أنني أكلت الطنجرة كاملة". يضحك مطوّلاً. ثم تستسلم وتضحك معه.

***

كان قد سألها عن أحلام اليقظة التي تراودها، فكتبت له موجزا عن يومياتها. "لقد عدت توّا إلى البيت. سوف أغمض عينيّ قليلا حتى أستعيد الأحلام. الطريق التي سلكها الباص اليوم تحثني كثيرا على الحلم، حتى أنني أبتسم أحيانا من دون أن أنتبه. أحلم أنني أجلس في سريري، بجانبي على المنضدة مرآة صغيرة أحملها بيدي، وأقلام من أحمر الشفاه ومستحضرات تجميل أغطيتها من اللون الذهبي. أضع المكياج قبل أي شيء لأنه بهذه الطريقة أية قطعة ثياب أرتديها بعد ذلك ستروق لي. أنتقي بنطلوناً ضيّقاً من الساتان الناشف، لونه زهري فاتح. وأختار له قميصاً لونه بيج وقصير حتى يكاد لا يغطّي الخصر، بشكل أنني إن رفعت يداً لأبعد خصلة شعر عن وجهي، يظهر جزء بسيط منه. أكثر من اللازم وأقل من الكافي. ثم على سطح ملهى في المدينة، أشرب وصديقتي نخب نجاحات انتظرنا الصيف لنحتفل بها. نشرب كثيرا ونضحك أكثر".

قبل أن تنام، تفكّر أن أحلام اليقظة هذه سوف تصبح قريباً بعضاً من مجريات نهارها. وسوف تحكي عنها على أنها ذكريات، لا أمنيات. تسعدها أفكارها هذه، فتنام سعيدة.

تستيقظ في الصباح التالي، وفيما تمسّد عنقها بيدها لتخفّف من ألم لا تعرف مصدره، تباغتها فكرة لم يتسن لها أن تطردها: "يوم آخر؟ يعني أنني لا أزال على قيد الحياة". تطردها بعد فوات الأوان، ثم تبدأ بترتيب نهارها.