وخلال الفترة الأخيرة، توجّهت أطراف في الشرعية اليمنية والإمارات والسعودية، إلى استقطاب القبائل في محافظات شبوة وأبين، ما تسبّب بإحداث توتر داخل تلك المناطق التي تحتضن عدداً من أكبر القبائل، أبرزها العوالق وباكازم. وكان النظام الاشتراكي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الذي كان قائماً في جنوب اليمن قبل الوحدة، منذ الاستقلال في ستينيات القرن الماضي، حاول جاهداً إنهاء دور القبيلة، وتعرضت حينها القبيلة للتهميش والإقصاء، في تضاد مع محاولات المستعمر البريطاني، استخدام القبيلة في الجنوب لتساعده في الحكم، من خلال تكوين السلطنات والمشيخات في كل مناطق الجنوب، وزرع الخلافات بينها. لكن نظام ما قبل الوحدة حاول التخلص من دور القبيلة. ومع قيام الوحدة، عاد للقبيلة في الجنوب دورها في نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، واستفاد منها في القضاء على خصومه في الحرب التي جرت عام 1994 بين "الحزب الاشتراكي" ومعقله الجنوب، وحزب "المؤتمر" ومعقله في الشمال، والذي تحالف مع حزب "الإصلاح"، والقوى الدينية والقبائل في الشمال والجنوب والشرق والغرب، والناقمين من نظام ما قبل الوحدة، للقضاء على "الاشتراكي" في الجنوب، وفقاً لما يشير إليه باحث سياسي في جامعة عدن.
الباحث الذي فضّل عدم ذكر اسمه، يقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن عودة استخدام القبلية خطر على النسيج الاجتماعي في الجنوب، واستهداف قبائل محافظات شبوة وأبين، المتمترسة خلف أطراف في مجملها ضد أو معارضة للإمارات مثلاً، يأتي كخطوة لاستخدام أبوظبي قبائل يافع والضالع، وهي خطوة حساسة للغاية، وتُعد لعباً بالنار، فهي تثير مشاعر قبائل أبين وشبوة. ويحذر من أن هذا الاستقطاب يحيي صراع المناطق بين شبوة وأبين من جهة، ويافع والضالع من جهة أخرى، الذي جرى في ثمانينيات القرن الماضي، ويُعدّ من أكثر الصراعات الدامية التي حدثت في الجنوب.
وبحسب الباحث، فإن الإمارات تحاول اليوم الدخول إلى مناطق أخرى بعد يافع والضالع، والاستعانة بقبائلها، ساعية لتحقيق هدفين بضربة واحدة، الحصول على دعم القبائل لبسط نفوذها وتوسيع صراعها ضد القوى الأخرى، وكسر الحصار المفروض على حلفائها في "المجلس الانتقالي"، المتهم بأنه مجلس مناطقي، خصوصاً في مناطق يافع والضالع.
في السياق نفسه، تقول مصادر لـ"العربي الجديد"، إن الإمارات فشلت حتى اللحظة في استقطاب قبائل في شبوة وأبين، لمواجهة الشرعية وقوى محلية وإقليمية أخرى، لذلك لجأت إلى استخدام لغة الترغيب من خلال الوعود والإغراءات المادية والمناصب والجنسية، أو من خلال الترهيب واستخدام لغة الإرهاب ضد القبائل الرافضة لدورها والموالية للشرعية، وقوى أخرى محلية وخارجية. وحاولت أبوظبي إفشال تحرك الشرعية في أبين قبل أشهر أثناء لقاء لنائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، مع القبائل، بهدف توحيد الكلمة ودعم الشرعية، وأخرجت عبر حلفائها في "المجلس الانتقالي" تظاهرة ضد اللقاء.
وخلال الفترة الماضية حاولت الإمارات استخدام قبائل العوالق، أكبر قبائل شبوة، لخدمة مصالحها، لكن الشرعية اليمنية وكذلك سلطنة عُمان استمالتا قبائل شبوة، ما أعاق سعي أبوظبي لاستقطاب هذه القبائل. ويكشف جمال حسين العولقي، أحد الشخصيات الاجتماعية في شبوة، لـ"العربي الجديد"، أن الإمارات استخدمت الشيخ القبلي البارز صالح بن فريد العولقي، وهو عضو في قيادة "المجلس الانتقالي"، لاستمالة مشايخ وقبائل العوالق، كما حاولت فرنسا استمالة القبيلة للحفاظ على مصالحها في مشروع الغاز المسال في المحافظة المطلة على البحر العربي، فيما تحظى الحكومة الشرعية بتأييد عدد من مشايخ العوالق. ووفق العولقي، فإن فرنسا تقدّم إغراءات لأبناء شبوة بواسطة شركة "توتال" الفرنسية عبارة عن منح دراسية ووظائف وغيرها، فيما تستخدم الإمارات إغراءات مماثلة إضافة إلى الجنسية، كما تستخدم التهديد بالحرب ضد القبائل المعارضة لها والموالية للشرعية وأطراف أخرى. ولا يستبعد العولقي تشتّت قبيلتهم في حال قَبِل المشايخ بالمشاريع والإغراءات الخارجية على حساب الإجماع الوطني ومصلحة القبيلة، وفق قوله.
أما في محافظتي المهرة وحضرموت، اللتين تشهدان محاولات سعودية وإماراتية لاختراق القبائل، فيبدو الوضع أكثر احتداماً. وتبذل الدولتان جهوداً كبيرة لاستقطاب القبائل في حضرموت، والحصول على دعمها المعنوي وأيضاً المقاتلين لضمهم إلى التشكيلات الموالية لهما، مقابل توفير دعم لهذه القبائل.
ويقول الشيخ أبو سالم المهري، وهو أحد مشايخ المهرة، لـ"العربي الجديد"، إن المهرة لم تشهد انقساماً كما هو اليوم بسبب الخلاف بين القبائل الموالية لسلطنة عُمان والقبائل الأخرى، التي تحاول السعودية استخدامها لتحقيق مشاريعها، وفي مقدمتها مشروع مرور أنبوب النفط السعودي، وذلك من خلال دعم قبائل مثل آل كثير ومغفيق الزيدي ضد قبائل الحريز وعفرار، التي تموّلها وتدعمها عُمان، لا سيما أن بعض هذه القبائل ممتدة إلى داخل السلطنة لأن المهرة محافظة محاذية لها.
تتزامن هذه التحركات مع مساعٍ إماراتية لاختراق الوضع في سقطرى، عبر إغراءات عدة، في مسعى لاستقطاب هذه القبائل ضد الشرعية وأي قوى وأحزاب سياسية يمنية.
وإلى جانب الوظائف، يعد التجنيس ومنح الإقامة من أبرز الإغراءات التي تقوم فيها الإمارات داخل قبائل سقطرى، وزادت من وتيرتها خلال الأشهر، تحديداً بعد الإطاحة برئيس الوزراء السابق، أحمد عبيد بن دغر، والذي كان يقف ضد المشروع الإماراتي في سقطرى. لكن مع سياسة غض الطرف الذي يتبعها رئيس الوزراء الحالي معين عبدالملك، عادت الإمارات بوتيرة أكبر لتنفيذ مشروعها ومحاولة بسط سيطرتها على سقطرى. وشكلت قوات تابعة لها في سقطرى على غرار "الحزام الأمني" الذي أسسته في عدد من المحافظات الجنوبية.
وفي التاسع من شهر مايو/أيار الحالي نقلت وكالة "د ب أ" الألمانية عن مصدر حكومي يمني تأكيده وصول "أكثر من مئة مقاتل يتبعون ما يسمى بالحزام الأمني إلى الجزيرة بحجة حمايتها"، معتبراً ذلك "أمراً غير مقبول". من جهته، سبق أن أكد محافظ سقطرى رمزي محروس، أواخر شهر إبريل/نيسان الماضي، أنه لن يسمح بوجود أحزمة أمنية أو تشكيلات مسلحة خارجة عن أجهزة الدولة، داعياً مشائخ وأعيان المحافظة إلى الوقوف صفاً واحداً إلى جانب الحكومة الشرعية والمتمثلة بعبد ربه منصور هادي والسلطة المحلية في المحافظة ضد أي تشكيلات عسكرية خارجة عن النظام والقانون.
كما أن مسؤولين إماراتيين يزورون سقطرى بشكل مستمر ويتصرفون كحكام على المدينة بمساعدة بعض رموز قبائلية هناك ممن تمكنت أبوظبي في سنوات سابقة، وتحديداً في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، من استقطابهم.
يُذكر أن قبائل الجنوب مرت في مراحل عدة منذ الاستقلال عن الاحتلال البريطاني، أبرزها محاولات نظام ما قبل الوحدة في الجنوب استهداف القبيلة، إلى أن جاء نظام ما بعد الوحدة، في عهد علي عبدالله صالح، الذي حاول إحياءها لاستغلالها في السيطرة على الوضع في الجنوب، مستفيداً من تداعيات أحداث يناير/كانون الثاني 1986 المناطقية. ومع ظهور الحراك الجنوبي، باتت القبيلة في يافع والضالع داعمة للحراك الجنوبي، وانخرط أبناؤها في نشاطه. وحاولت بعض القبائل في باقي المناطق التزام الحياد، فيما انخرطت أخرى وهي قليلة، مع الحراك، خصوصاً مع دخول الشيخ القبلي طارق الفضلي في أبين في صفوف الحراك. وعدم انضمام بعض القبائل إلى الحراك، يعود لعلاقة قادتها بصالح والقوى الحزبية، لكنها أدت دوراً كبيراً في الحرب ضد الحوثيين في كل مناطق الجنوب، ولم تقتصر مشاركتها على منطقة معينة. علماً أنها شهدت تبدلاً في ولاءاتها في مرحلة ما بعد تحرير مناطق الجنوب، وعادت للانقسام كما في السابق، ليكون الاستقطاب الذي تتعرض له حالياً هو الأكثر حدة من أي وقت مضى.