قانون العمل في الجزائر: تشريح التعسّف

20 أكتوبر 2014
تعديلات قد تطال حقوق العمال (فاروق باطيش/ فرانس برس/getty)
+ الخط -
ثلث الشعب الجزائري يضع يده على قلبه، في انتظار قانون العمل الجديد، الذي سيعرف تعديل عدد من مواده... إنها مبادرة حكومية جديدة، تصبو إلى إعادة النظر في قانون ‏العمل الساري حالياً. التعديلات ستمس مواد أساسية في القانون، ومن بينها عقود العمل غير المحدودة، وتمس ممارسة النشاط النقابي والحق ‏في الإضراب. مشروع، حسب المتتبعين، يشكل مصدر قلق بالنسبة إلى النقابيين والعمال، الذين يرون فيه خطراً على مستقبلهم.‏
في نظر السلطة الجزائرية، الغاية من التعديلات، تنشيط الاقتصاد الوطني. ووفقا للحكومة، فإن تعديل قانون العمل يأتي لإرساء مرونته في ‏السوق، وضمان القدرة التنافسية للشركات والاقتصاد الوطني. لكن التأويلات تتوالى أثناء مناقشة وتثمين مشروع قانون العمل، ‏الذي تتفق جل النقابات المستقلة، غير المعترف بها، على سوء نية بعض التعديلات التي تهدد مصالح واستقرار العمال، وتشكل ‏ضربة للحقوق المكتسبة، وتزيد من إضعاف الحركة النقابية الجزائرية.‏
وحسب المنسق الوطني "للنقابة الوطنية الحرة لأساتذة التعليم المتوسط والتقني" مزيان مريان، فإن العلاقة بين الإدارة والعمال، ‏وحرية الانتماء النقابي هي حريات أساسية، لكن "كل هذا عندنا ليس سوى مفاهيم نظرية، لأن العامل والموظف أصبحا رهينة ‏للتبعية القانونية، ولا يستفيدان من أي ضمانات ضد التمييز"، وفق ما يقول لـ "العربي الجديد".
وذلك، بعكس بلدان أخرى، وفق مريان، التي تعمل حكوماتها على دعوة ‏النقابات إلى المشاركة في وضع وتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ‏
وينتقد مريان الطريقة التي يجري بها بحث المشروع، حيث يوضح أن بعض المواد ستكون محل طعن، ‏ومن بينها المادة المتعلقة بعقود العمل غير المحدودة، والمادة التي تتحدث عن الحق في الإضراب، حيث إن المادة 352 من ‏المشروع، تعتبر "رفض تنفيذ الأمر بالالتزام بمثابة خطأ مهنياً خطير". بالإضافة إلى ذلك هناك مادة تنص على أن أيام ‏الإضراب لن تكون مدفوعة الأجر "وستكون هذه المادة رادعاً للعامل والموظف"، وفق مريان.‏
بدورها، تقول الأمينة العامة للنقابة الوطنية لمستخدمي الإدارة العمومية، مغراوي يمينة إن "الحكم الجزائري متغير الأطوار ‏في سياسته، يخلق قوانين اجتماعية للشعب حسب عوامل ظرفية وبمجرد مرور الأزمة تنتهك هذه القوانين". ووصفت هذه ‏الممارسات بـ"الاستبدادية وغير الديمقراطية". ‏
وفي ما يخص قانون العمل الجديد، ترى مغراوي أنه متناقض تماماً مع الاتفاقيات الدولية، كالمادة 87 التي تحمي وتضمن الحق ‏النقابي والإضراب، بل ولا يتفق كذلك مع القانون الأساسي للوظيفة العمومية في الفصول (الأول والثاني والثالث) التي تحدد ‏إجراءات ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب. ولاحظت، أن القانون الجديد افتقر لمواد ضد تحويل اليد العاملة ‏إلى بضاعة (المادة 140)، موضحة أن السماح بإنشاء شركات استثمارية خاصة في صفة "وكالات خاصة" تشجيع على ‏استغلال اليد العاملة. ‏
من جهته، يقترح الأمين الوطني لـ"فدرالية عمال النسيج والجلود" عمار طكجوت ضرورة ضمان ما هو منصوص عليه في ‏قانون العمل الحالي كحد أدنى، محذراً في الوقت ذاته في حديث مع "العربي الجديد"، من تشجيع قانون العمل الجديد على ‏‏"التصعيد والحقد بين العامل وصاحب العمل".‏
أما الاتحادات المركزية النقابية التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، فبرغم رفضها عدة بنود من المشروع الجديد إلا أن ‏التزامها إلى جانب الحكم يجبرها على نوع من التحفظ. فهناك طعون قدمت إلى لجنة المناقشة أهمها "إنشاء مجلس أعلى للوظيفة ‏العمومية، وإعادة النظر في العطل الأسبوعية لبعض القطاعات في مشروع قانون العمل الجديد".‏
وبعكس تخوفات النقابيين والعمال من قانون العمل الجديد، فإن الطمأنينة دبت في أوساط أصحاب الشركات الخاصة، الذين باركوا ‏المشروع الجديد، خصوصاً أنهم يسيطرون على قرابة 60‏‎%‎‏ من الاقتصاد الجزائري عبر السوق الموازية، وكذلك لأن البنود ‏الخاصة بعقود العمل غير المحدودة تهمهم بالدرجة الأولى.‏
‏"نحن لا يمكننا أن نغمض أعيننا على العمل غير الشرعي، ولكن علينا التوصل لإيجاد كيفية جذب أولئك الذين ينشطون في ‏السوق السوداء"، هذا ما يقوله العضو البارز في "نادي النشاط والتفكير حول المؤسسة" محرز أيت بلقاسم، في إشارة منه إلى ‏صحة مراجعة المادة الخاصة بعقود العمل... عبارة يبنى عليها الكثير، وواقع يشي بمعركة وشيكة بين أطراف الإنتاج في ‏الجزائر.‏