قالها ترامب صراحة

17 يوليو 2017
يريد ترامب الحصول على الأموال (ساوول لوب/ فرانس برس)
+ الخط -
أوضح الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قناة "سي بي إن" الأميركية، بصوت مسموع، ما كان حتى الأمس القريب مجرد همس وتحليل: "اشترطت دفع المليارات وإلا لم أكن لأشارك في قمة الرياض".
وبعيداً عن تضخيم القول إن "ترامب آت لتحصيل الجزية"، والتي سبقت "القمة التاريخية"، وغير بعيد عن سياسة المصالح، وما تشترطه عقلية التاجر والمقايضة في السياسة الدولية، وتفهّم كامل لنظرية أن "الدول ليست جمعيات خيرية"، فإن ثمة ما يمكن أن يستشف من التعبير الفج في الكلمات التي تبدو أبعد ما يكون عن الكياسة السياسية والدبلوماسية.
فلو أن "عاصمة القرار العربي"، حتى فجر الخامس من يونيو/ حزيران، سمعت هذا التفصيل منقولاً بالتحليل وتقدير الموقف على قناة تلفزيونية غير أميركية، لعدت مؤشراً على "وقاحة وتطاول وتدخل في الشؤون الداخلية... ودليلاً ساطعاً على كارثة حرية التعبير".
قد لا يهتم الباحث عن مصلحته الضيقة بما تثيره اختياراته من أسئلة. بيد أنه في سياسة مصالح الدول كجماعة في المنطقة لا يمكنه العيش أبداً في أوهام قمع السؤال، داخلياً أو في الإقليم، بنتيجة انعكاس هذه الممارسة على "القرار العربي برمته".
وعلى الرغم من كل الملاحظات على سياسة تركيا في المنطقة، ثمة في المقابل مقاربات لا يمكن للمرء ألا يضطر إليها. ففي مرحلة التحضير لغزو العراق في 2003، بقي الموقف التركي ثابتاً على رفض استخدام أرضه منطلقاً لجنود أميركا بكل جبروتها. وفي الجانب الآخر يحتار المرء في استمراء العرب الاستخفاف بخياراتهم وأوزانهم الجماعية، على الرغم من أن الأسباب أوضح من تعميتها. والأساس بيّن في وضوحه: من أين تُستمد الشرعية؟
القضية في أبعادها أوسع من منطقة الخليج، وتشير إلى احتضار رسمي عربي، باستحضار تجربة ملوك الطوائف. فحين كان العقيد معمّر القذافي على وشك الغرق راح يستصرخ اللوبيات اليهودية وتل أبيب ويستذكر استسلامه عند كونداليزا رايس وطوني بلير. وفي عاصمة "الصمود والتصدي"، دمشق، حتى يومنا ثمة من يحمل باروميتر قياس كل تصريح غربي، ولو كان تافهاً في الحجم والمصدر للدلالة على "تراجع الغرب عن مطلب رحيل الأسد". ولا يكفي في سيرة البحث عن الرضا الغربي، أن نستذكر بالصوت والصورة مغامرات عماد مصطفى في واشنطن وزميليه فيصل مقداد وبشار الجعفري. وبالمناسبة، لا استثناء هنا حتى لـ"أحزاب ثورية" وجماعات "مقاومة" مع ما يسمونه صباحاً "الإمبريالية"، ومساء "نحن في خندق واحد ضد الإرهاب"، من الموصل إلى القلمون.
مشكلتنا إذن هي ليست مع ما يقوله تاجر مبتز كترامب، بل في هذه الاستهانة العربية بشرعية داخلية والبحث عنها في تصريحات رئيس أميركي ولو بجملة ركيكة عبر "تويتر". وتلك كارثة أخرى من كوارث متراكمة، حاول شباب العرب في موجتهم الأولى كنسها مع نمطية قراءة الآخر للعرب وإمكاناتهم الذاتية الجماعية، بعيداً بالطبع عن "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".
المساهمون