كشف وثائقي أنتجته هيئة الإذاعة البريطانية أن القارب المتسبب في كارثة غرق المهاجرين الأسوأ في البحر المتوسط خلال 2016، أبحر من السواحل المصرية، وليس من سواحل ليبيا كما أكدت كل التقارير الرسمية عقب الحادث المأساوي.
وتناول وثائقي "من مصر إلى أوروبا - غرقى بلا ثمن"، والذي عرض أمس الثلاثاء، واقعة غرق نحو 500 مهاجر من جنسيات مختلفة في مياه البحر المتوسط خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي، في المياه الدولية بين اليونان وإيطاليا، والذي أكدت السلطات في البلدين عقب تحقيقات أولية أنه أبحر من سواحل طبرق الليبية.
وأجرى صناع الوثائقي الذي أنتج بالتعاون مع وكالة "رويترز" لقاءات مع عدد من الناجين في مراكز استقبال للاجئين في فرنسا واليونان، أكدوا فيها أن المركب أبحر من سواحل الإسكندرية المصرية، وأن حديث الناجين عقب الحادث عن إبحاره من ليبيا كذب متعمد سببه ابلاغهم قبل الإبحار أنه سيتم رفض دخولهم إلى البلدان الأوروبية في حال كشفوا أنهم قادمون من مصر، باعتبار أن الاتحاد الأوروبي لا يعتبر مصر بلدا مضطربا يتحتم استقبال المهاجرين منه على العكس من ليبيا.
ووصل قارب يحمل 37 ناجيا إلى اليونان، تحدث أغلبهم عن غرق ما يقارب 500 شخص كانوا معهم على المركب. وقال الناجي الصومالي، معاذ، لصناع الوثائقي، إن القارب كان يضم أكثر من 500 مهاجر، بينهم زوجته وابنته اللتان غرقتا في البحر أمام عينيه، وكان يضم جنسيات متعددة من مصر والصومال وسورية ومالي.
وقال إنه حاول عقب غرق القارب إنقاذ العديد من المهاجرين، وإنه تمكن بالفعل من إنقاذ اثنين منهم، وكان على وشك إنقاذ المزيد، لكن من وصفه بـ"المهرب"، والذي أكد أنه مصري الجنسية، أشهر سكينا في وجهه لثنيه عن إنقاذ المزيد من الغرقى. مشددا على أن هذه كانت جريمة قتل إضافية إلى جانب جريمة نقله بقارب مزدحم لا يتحمل الرحلة.
مراهقون فقراء
والتقى الوثائقي عددا من أسر الضحايا المصريين، وأغلبهم ينتمي إلى قرى فقيرة في دلتا النيل، وجلهم دون العشرين من عمرهم، وقالت الأسر إن السلطات المصرية لم تدعمهم، وإن تحقيقاتها توقفت مبكرا دون التوصل إلى حقائق، وقال بعضهم إنهم ما زالوا يتمسكون بالأمل في بقاء أولادهم أحياء.
وقال والد أحد الشبان المصريين الغارقين إن شخصين مصريين، وصفهما بتجار الموت، وأسماهما "الدكتور" و"إسماعيل البوجي"، حاولا مساومته على حياة ابنه وعرضا عليه المال ليتوقف عن ملاحقتهما قضائيا.
وتناول الفيلم واقعة غرق أخرى هزت مصر في سبتمبر/أيلول الماضي، وعرفت بـ"غرق قارب رشيد"، وراح ضحيته 200 شخص بينهم مصريون وأخرون من الصومال وإثيوبيا وإريتريا، ونقل تأكيدات صادرة عن وزارة العدل المصرية حول تشديد قوانين الاتجار بالبشر للتصدي للظاهرة الخطيرة، رغم أنه يشدد على عدم إجراء السلطات المصرية لتحقيقات في الوقائع المتكررة.
وأكد الوثائقي أن اليونان أيضا، وهي أحد أطراف الواقعة، حيث وصل إليها الناجون، لم تفتح تحقيقا جديا في الحادث، ولم تتوصل إلى أية نتائج حول أسبابه أو المسؤولين عنه، رغم أن سلطاتها حققت مع الناجين.
وأكد رئيس وكالة الشرطة الأوروبية "يوروبول"، روب وين رايت، أن غياب المعلومات في الحادث الذي وصفه بأنه "كارثة إنسانية" أمر مؤسف، وأن وكالته قابلت مشكلات حقيقية في سير التحقيقات للوصول إلى أي حقيقة بسبب التناقضات المتعددة في أقوال الناجين.
وانتهى الوثائقي إلى أن غياب الحقائق وعدم إجراء تحقيقات جدية في حوادث الغرق سينتج عنها ثلاثة أمور أولها أن مهربي البشر سيزدادون ثراء، وأن أوروبا لن تستطيع الضغط على دول المهربين لوقف التهريب، والثالثة أن الآلاف من الأرواح ستزهق غرقا في عرض البحر.