في مسألة يوسف والي

05 سبتمبر 2020
تولى والي منصبه لمدة 22 عاماً متواصلة (تويتر)
+ الخط -

توفي، اليوم السبت، يوسف والي، واحد من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في الحياة السياسية والزراعية المصرية وطوال سنوات طويلة، وأشهر وزير زراعة في نظام حسني مبارك، إذ تولّى منصبه لمدة 22 عاماً متواصلة شهدت فيها الزراعة المصرية انتكاسات وتراجعات حادة في إنتاج محاصيل رئيسية كالقطن طويل التيلة، أطلق عليه خصومه "وزير المواد المسرطنة" حيث سمح باستيراد البذور المسرطنة، و"عراب التطبيع مع الكيان الصهيوني"، و"المنفذ الأول لسياسات مبارك في التقارب مع إسرائيل"، كما يأتي الجدل من موقع الرجل السياسي حيث شغل منصب الأمين العام لـ"الحزب الوطني" المنحل لمدة طويلة تصل إلى 18 عاماً شهدت فيها البلاد الكثير من التطورات السياسية.

ولأن يوسف والي كان مثيراً للجدل طوال فترة توليه مواقعه الحكومية أو السياسية، فقد وصل الحد ببعض خصومه بوصفه بالخائن ويد إسرائيل الأولى في تخريب وتدمير الزراعة المصرية، في حين أشاد به البعض، معتبرين أنه لعب دوراً مهماً في تحسين مستوى وجودة بعض المحاصيل في مصر، وزيادة الرقعة الزراعية.

وحتى يكون التقييم عادلاً للرجل بعد وفاته فإنه يجب أن نأخذ في الاعتبار عدة أمور:

أولاً: الادعاء بأنّ الرجل كان طاهر اليد نظيف السمعة بالاستناد إلى مقولة إنه كان لا يتقاضى أي راتب من خزينة الدولة طوال فترة توليه منصب وزير الزراعة هو مبرر ساذج وسطحي خاصة مع التعامل مع شخصية سياسية واقتصادية بهذا الوزن.

فليس بالمظهر وحده يتم الحكم على شخص بحجم يوسف والي، والتعرف على الدور المريب والتخريبي الذي لعبه في الحياة السياسة والزراعية المصرية على مدى سنوات طويلة، فأنا شخصياً أعرف مسؤولاً حكومياً سابقاً سرق 600 مليون دولار من المال العام مستغلا موقعه الحساس، وعبر تلقي الرشاوى من المستثمرين من صفقات بيع الشركات الحكومية والخصخصة، وقد أودع هذا المبلغ الضخم في بنوك سويسرا خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، وكنت كلما أقابله أجده زاهداً في الحياة، تقياً، ورعاً، يرتدي بدلة من مصانع المحلة الكبرى رخيصة الثمن، ويبدو مظهره فقيراً جداً، كنت ساعتها استغرب من زهد الرجل رغم أنه في موقع اقتصادي حساس حيث كان يرأس مجلس إدارة إحدى الشركات القابضة التي تتبعها عشرات الشركات الحكومية.

وبالتالي لا يجب تقييم يوسف والي من زاويه رفضه تلقيه راتبه الشهري، بل يجب تقييمه من زوايا عدة، منها سوء إدارته ملف الزراعة طوال سنوات طويلة، والتعاون مع الصهاينة في تدمير هذا القطاع الحساس بالنسبة لملايين المصريين، وتوزيع أراضي الدولة وأصولها على المحاسيب من كبار المسؤولين وأبناء الوزراء والصحافيين وغيرهم، وما قيل عن إدخاله الأدوية المسرطنة إلى مصر، ومنعه زراعة القطن طويل التيلة لحساب الفواكه والخضروات وذلك بالتنسيق مع دولة الاحتلال.

ثانياً: إنّ لصق كل الموبقات بالرجل من تطبيع زراعي كامل مع الصهاينة، واستيراد المبيدات المسرطنة، والتسبب في قتل ملايين المصريين بفيروس الكبد الوبائي والسرطان، هو كلام لا يجب تحميله فقط ليوسف والي، بل لرأس النظام حينئذ وهو حسني مبارك.

كما أن تحميل يوسف والي وحده كل هذه الكوارث المتعلقة بالمبيدات المسرطنة، والعمل مباشرة مع "الموساد" لتدمير الزراعة المصرية، كما قال بعض خصومه، يحتاج إلى أدلة وبراهين، لأنّ مصدر الاستجواب الشهير ضده في هذا الشأن والوقت هو  الكاتب الصحفي مصطفى بكري الذي كان يعمل وقتها لصالح أمين التنظيم بالحزب المنحل ووزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف، وكذلك لصالح رموز "الحزب الوطني" المناوئين ليوسف والي داخل الحزب، كذلك كان بكري يعمل لصالح بعض الأجهزة التي قد تتعارض مصالحها مع مصالح وسياسات يوسف والي، سواء السياسية أو الزراعية.

ثالثاً: تقييم يوسف والي الأمين العام لـ"الحزب الوطني" المنحل لسنوات طويلة من الناحية السياسية تم بالفعل، فالشعب قال كلمته في ثورة 25 يناير 2011 عندما خرج ثائراً على حزب ونظام فاسدين كان والي أحد أبرز رموزهما لسنوات طوال.

نظام وحزب جرفا مصر ودفعا بالمجتمع نحو مستنقع الفقر والغلاء ونهب المال العام وأموال المودعين في البنوك وحصر الثروة في عدد محدود ونشر الفساد وقتل ملايين الفقراء، إما بالجوع أو الفقر أو البطالة أو المرض أو الاكتئاب والأمراض النفسية، كما فرطا، النظام والحزب، في أصول الدولة عبر بيعها بثمن بخس للمستثمرين العرب والأجانب.

رابعاً: المطلوب الآن تقييم عادل للرجل بعد وفاته من قبل خبراء زراعة وري وصحة عامة وقانون حتى يقولوا كلمتهم للتاريخ، ويحددوا بدقة نوع وحجم الجرائم التي ارتكبها يوسف والي على مدى 22 عاماً تولى فيها منصب وزير الزراعة واستصلاح الأراضي في مصر، وما إذا كانت هذه الجرائم سياسية، أم جنائية تتعلق بتدمير الصحة العامة للمصريين وقطاعهم الزراعي.