في لبنان... زمالة السوري اللاجئ مرفوضة

26 أكتوبر 2015
يتحفظ البعض على وجود الطلّاب السوريين بالمدارس اللبنانية (Getty)
+ الخط -
ليست المسألة وليدة اليوم، فقد مضى عليها ثلاث سنوات وربما أربع، منذ بدأت أولى العائلات السورية الهاربة من أهوال وجحيم الحرب في سورية بالقدوم إلى لبنان، ومنذ أن بدأت أولى العائلات أخذ قرارها بإيجاد مدارس تعليمية بديلة لأولادها.

أولى إشارات الموضوع كانت أن العائلات النازحة بأغلبيتها لم تسجّل أطفالها الذين تخطوا طفولتهم الأولى في المدرسة، فالاتجاه العام هو أن يقصد الفتية والمراهقون سوق العمل وتعلّم صنعة ليستفيدوا ويفيدوا سواهم، فالمدرسة هي للطفولة الأولى أي من الصفّ الابتدائي الأول، ولذلك فإن أكثر الصفوف امتلاءً وعدداً وزحاما هي الصفوف الابتدائية الأولى.

العقلية الاجتماعية
تواجد آلاف الطلّاب من النازحين السوريين في المدارس اللبنانية أوجَدَ واقعاً مربكا على المستوى التربوي والإنساني والاجتماعي. صحيح أن المسألة مضى عليها ثلاث سنوات، لكن هذا التواجد يُعامل بتحفّظ من قبل البعض، في ظل وجود عقلية اجتماعية ترفض زمالة التلميذ اللاجئ. واليوم يتواجد اللاجئون السوريون ضمن نظامين دراسيين في لبنان: أعداد قليلة جدا مندمجة مع اللبنانيين قبل الظهر، ومدارس خاصة بهم تعمل بدوام خاص بعد الظهر وهي الأكثر عددا واستيعابا وانتشاراً.

وكانت وزارة التربية اللبنانية قد أطلقت حملة بعنوان "كلنا إلى المدرسة" بالتعاون مع "اليونيسيف" و"مفوضية شؤون اللاجئين"، حيث سيتمكن بموجبها نصف الأطفال السوريين اللاجئين، ممن هم في سن الدراسة، من الالتحاق بالمدارس الرسمية مجانا. وأثار هذا الأمر حفيظة اللبنانيين إذ لولا اللاجئون لبقي اللبناني يدفع لابنه رسوم التسجيل وثمن الكتب والقرطاسية مثلما كان يفعل دائماً.

وخلال العام الدراسي الحالي، أصبح هناك 1278 مدرسة رسمية تستوعب العدد المتزايد من الطلاب، بينما ستعمل 259 مدرسة أخرى، و68 مدرسة تابعة للأونروا على استيعاب الأطفال غير الفلسطينيين في دوام بعد الظهر، هذا الأمر يجعل اللبناني يفكر أن اللاجئ السوري يقاسمه أبسط حقوقه وربما ينال أكثر منه لأن اللاجئ ينال مستحقات لا ينالها فقراء لبنان.

اقرأ أيضا: التعليم السريع.. الحل السحري للاجئين

هواجس ومبررات
وجود اللاجئين السوريين جنبا إلى جنب مع التلاميذ اللبنانيين لم يعجب بعض الأهالي الذين تحدثوا عن مبررات تحفّظهم.
تقول إحدى الأمهات: لا أريد أن يتواجد ابني أو ابنتي مع رفاق في الصف يختلفون عنّا في الانتماء والهوية والتفكير والواقع، فيما تساءلت أخرى: "وما أدرانا بما سيحدِّث اللاجئون أبناءنا؟ وكيف سيتعاطون معهم، هؤلاء آتون من مجتمع يفيض بالمشاكل، أنا لا أغامر ولا أرضى بهذه المغامرة.. نحن بالكاد نستطيع السيطرة على أولادنا مع زملائهم العاديين فكيف باللاجئين المتخمين بالمشاكل والحرمان والنكبات؟".

وتشير سيدة أخرى (في مجتمع العاصمة المغاير) إلى موضوع هام حين تقول: بعض الفتيات اللاجئات الصغيرات تعرّضن لأمور ومواقف أكبر من عمرهن بكثير، فالطفلة اللاجئة تشبه المرأة الكبيرة، سواء من جهة حملها لمسؤوليات كثيرة أو قيامها بأعباء متعددة، وسواء لما يحتمل أن تكون قد تعرضتْ له وتتعرض له دوما في البيئات المؤقتة غير المستقرّة. وبالتالي هذه الأمور تمثّل مخاوف وأسبابا تقف وراء تحفّظ قسم لا بأس به من المجتمع اللبناني في تعاطيه الحذِر مع اللاجئين والاختلاط بهم.

مقابل هذه الفئة المعترضة تقف فئة لا تشعر بأن الأمر فيه الكثير من المشاكل، فقد قالت إحدى المعلمات باستهجان: أليس هؤلاء بشرا مثلنا؟ ولكنها لم تسمع عن هواجس الأمهات حول معاناة اللجوء النفسية والسلوكية.

ويختتم أحد الآباء رأيه في المسألة فيقول: الخوف ليس من اللاجئ كلاجئ، لأن اللاجئ الفلسطيني مثلا، قوبل تاريخيا في لبنان باحتضان ومساعدة، لكن الخشية والخوف هما بسبب الخلفية السياسية وبعض الأفكار الهدامة وربما المتطرفة التي قد ينقلها اللاجئ السوري من بيئته التي تعاني ما تعانيه. فالقصة في لبنان ليست موضة "عنصرية" كما يحلو للبعض أن يسميها، ولكن القصة وما فيها، أن المبررات والهواجس تكون من وجهة نظر أصحابها هي الحق والصح.

وفي تعليقها على هذا الموضوع، تتعجب د.داليا الشيمي مديرة مركز "عين على بكرة للمساندة النفسية والتنمية الأسرية"، تقول إنه يأتيها الكثير من الاستشارات وطلبات للدعم عن بعد من مدارس ومؤسسات كثيرة في بيروت حول كيفية دعم الطالب السوري، ويأتي هذا تأكيدا على دور اللبنانيين مع إخوانهم السوريين، وهو لا ينفي وجود قلق من بعض الأهالي تجاه زمالة أبنائهم للطلبة اللاجئين، والحقيقة أنه ليس للأهل حق في ذلك نظراً لأن التأثيرات النفسية لدى الأطفال غالبا ما تكون داخلية، ونحن كمتخصصين نبذل جهدا في إخراجها عن طريق السيكودراما أو الرسم أو اللعب.

وتضيف الشيمي أنه لا ينبغي للأهالي أن يقلقوا من زمالة الطالب اللاجئ بل عليهم أن يعلّموا أبناءهم كيفية احتواء الآخر والإحساس بالغير والمشاركة وشكر النعمة والإخاء والتعاون، وكل هذه الأمور تنمّي الشخصية الإيجابية غير الأنانية. هذا طبعاً مع ضرورة عزل الأطفال ذوي الاضطرابات الحادة وإيجاد دعم نفسي لهم قبل دمجهم في المدرسة.

اقرأ أيضا: مدارس اللاجئين السوريين بالعدسة المكبّرة

المساهمون