في غرفة الفئران

09 يونيو 2017
البعض يخلق كائنات خرافية لتخويف الأطفال(Getty)
+ الخط -
لم تكن قد ظهرت أفلام الرعب بعد من خلال أشرطة الفيديو ثم القنوات الفضائية المختلفة وذلك في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ولكن فيلم الرعب الذي كانت تدور أحداثه في مدرستنا فاقت أحداثه كل الأفلام التي شاهدتها بعد ذلك وأنا اجلس على الأريكة وأشاهد التلفاز وكلي ثقة أن ما أشاهده ليس حقيقة.
أما فيلم الرعب الحقيقي الذي حرمني النوم رغم أني لم أكن ممن يهددهم هذا الشيء الخطير ولكن خيال الطفولة كان أقوى، وجعل أي خطأ قد اقترفه في المدرسة سيقدمني فريسة سهلة ولقمة سائغة للفئران التي تملأ غرفة قصية من غرف المدرسة والتي أطلقنا عليها اسم "غرفة الفئران". 

وغرفة الفئران استقت اسمها من أفواه المعلمات اللواتي كن يتهددن بها الصغيرات من التلميذات اللواتي لا يقمن بحل الواجب المنزلي أو لا يحققن درجات متقدمة في الاختبارات، وحتى اللواتي لا يلتزمن بالنظافة الشخصية المطلوبة والزي المدرسي المحدد فقد لاحقهن هذا التهديد، وبالقطع تبعهن حتى مناماتهن كما كان يفعل معي.

غرفة الفئران كنت أخشى أن أمر بجوارها، وبعض الشجاعة كانت تتملكني أحياناً كتلميذة متفوقة فكنت أتلصص على جدارها الخلفي لعلي اسمع صوت الفئران الصغيرة الكريهة المنظر وهي تنبش أظفارها بشيء ما داخل الغرفة ولم امتلك الجرأة لكي اتلصص على بابها خوفا من أن يسحبني أحد الفئران من خلال الفراغ الفاصل ما بين الأرضية وحافة الباب، لأن الفئران التي حدثتنا عنها المعلمات والتي تستوطن تلك الغرفة لديها قدرات خارقة ولا تشبه الفئران التي نراها في البيوت، بل إنها قادرة على سحب تلميذة صغيرة إلى غرفتها والتهامها في دقائق.

الخوف من غرفة الفئران كان ينتقل بيننا من سنة إلى أخرى، ولم يكن هناك أحد قد جرب الدخول لهذه الغرفة لكي يخبرنا عما تحويه، ولم تقدم أي معلمة على اقتياد إحدى التلميذات إليها، ولكن إحدانا صرحت بخوف بأن هناك تلميذات اختفين من المدرسة وذلك بعد أن تم تقديمهن كوجبات لفئران الغرفة، ولذلك فمن الطبيعي ألا نجد من يخبرنا عما يحدث في تلك الغرفة أو عما تحويه.

وهكذا كبرنا وقد تربينا على ثقافة العنف التي نقلناها لأطفالنا حين أصبحنا أمهات، رغم أنه لم تعد أساليب التربية القديمة تصلح لزماننا، فقد باتت من الماضي فعلاً وثبت عبر العديد من الدراسات التربوية فشلها الذريع، وتأثيرها السلبي على الأطفال، فهذا الخوف من غرفة الفئران وغيرها من أساليب العقاب ساهمت في تعويد التلاميذ على الحفظ والتلقين، وتعزيز سلوك العنف لديهم.
ومن هذه الأساليب العقيمة أيضاً ما كان يلجأ إليه المعلمون من ضرب وتعنيف بالعصا واليدين، وصلب على الجدران أو حبس بعض الطلبة لساعات ووضعهم قرب سلة المهملات.

في التوجهات التربوية الحديثة تم إلغاء كل ما يتعلق بالوظائف البيتية، وطي صفحة الحفظ والتلقين، والاتجاه نحو تعليم الطلبة لمهارات التفكير الناقد، والبحث والتحليل والمناقشة، واستخدام تقنيات العصر المتطورة وأدوات ووسائل تعليمية مساندة تعينهم على تحقيق الإبداع وتحسين التعليم والتعلّم، وتطوير مهاراتهم ومواهبهم على قدم المساواة مع دروسهم التعليمية، وبذلك بإمكاننا أن نقول إننا وضعنا أقدامنا على أول طريق النجاح ما لم يخرج إلينا من لا يزال يعشش في فكره التهديد بـ"غرفة الفئران" فلا يمكن أن تنجح التوجهات الحديثة مع تربية الخوف التي ما زالت تجد لها مرتعاً في بيوتنا ومدارسنا.




المساهمون