صودف أمس، الذكرى السنويّة الثانية لرحيل الفنانة، صباح (جانيت فغالي)، والتي عاشت أكثر من ثمانين عاماً. لا تزال صباح حاضرة في مجموعة من الأعمال الفنية. بعض القنوات التلفزيونية خصصت أسبوعاً لتقديم سلسلة من أفلامها التي قاربت المائة فيلم، كان أولها "القلب له واحد" (1945). ولا تقل أغنياتها عن عدد أفلامها التي فاقت 3000 أغنية، وفاق نجاح أغنياتها عن نجاح أفلامها، وكذلك مسرحياتها التي بلغت 27 مسرحية.
في العودة إلى حياة صباح الفنية، بدأت جانيت فغالي حياتها الفنية، في سن مبكرة. وبحسب ما روت في مذكّراتها قبل سنوات إلى إحدى الإذاعات اللبنانية، كانت الطفلة المتمرَّدة على تشبُّث والدها بعدم الغناء، والذي حاصرها بداية كي لا تدخل عالم الأضواء. فيما كانت والدتها تشجِّعُها على الغناء والعزف والتمثيل. رضخ والدها بداية لبعض النشاطات التي قدمتها صباح في مدرسة القرية، وتحت إشراف راهبات المدرسة، لكنه سرعان ما أعلن ممانعته لاحتراف ابنته الفنّ. إلا أن لقاءها بأحد أقارب المنتجة الراحلة، آسيا داغر، فتح الباب لدخول صباح المجال الفني بكل تفاصيله وتشعباته.
آسيا داغر، وكما هو معروف، حملت جانيت فغالي، الطفلة الصغيرة، إلى القاهرة. ومن هناك أصبحت صباح، بمباركة الشاعر، صالح جودت، والذي أطلق عليها الاسم. بدأت الصحافة بتداول أخبار الممثلة والمطربة الجديدة القادمة من لبنان بإيعاز من داغر التي تبنتّها فنياً. وكان لها نصيب في مجموعة من الأفلام، شكلّت نقلة نوعية على صعيد صناعة السينما في فترة الأربعينيات والخمسينيات. ودون شك، مهَّدت صباح الطريق أمام عددٍ من المغنيات، لدخول عالم السينما، والجمع بين الغناء والتمثيل. كانت فترة ذهبية، أغنت المكتبة العربيّة بمجموعة من الإنتاجات السينمائيّة والغنائيّة التي رسمت معالم أو تاريخ الفن العربي حتى اليوم.
لم يكن صوت صباح عادياً. منذ طفولتها، حاولت ابنة القرية تعلّم أصول الغناء البلدي الأصيل. واستطاعت أن تُشكّل ظاهرة في هذا اللون الغنائي. أسلوبٌ اعتمد على المواويل والميجانا والعتابا، وهي فنون صعبة على طفلة لم تكن تكمل 12 عاماً. استثمرت صباح أيضاً اللون البلدي اللبناني لألوان غنائية أخرى، فجاءت محاولات صباح في تغيير ألوانها الغنائية، عبر مجموعة لا بأس بها من الأعمال، حالة استثنائية لفنانة لبنانية في ذاك العصر. كانت صباح، إلى جانب الملحنين اللبنانيين، وحتى المصريين الصوت المطواع الذي عرف كيف يُحرِّك الكلمةَ واللحن. فحضر في مذكراتها أسماء كرياض السنباطي ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وفليمون وهبي ووليد غليمة وملحم بركات وحتّى بليغ حمدي. ويصحُّ القول، إنّ صباح كانت الفنانة اللبنانية الوحيدة التي غنت مختلف اللهجات العربية بطريقة بسيطة أبعدتها عن التكلُّف.
لم يكن زواج صباح الأول من نجيب شمّاس والد ابنها الوحيد، سوى صورة مصغرة عن قسوة والدها. كان شمّاس يكبرها بحوالي عشرين عاماً، وحاول منعها من الغناء والتمثيل، وحرمها بعد الطلاق من رؤية ولدها صباح، حتى هاجرت إلى القاهرة، وهناك تعرفت إلى عازف الكمان، أنور منسي، وتزوجته ورزقت منه بابنتها هويدا.
حملت صباح لواء الأغنية اللبنانية إلى العالم، خصوصاً في فترة الحرب اللبنانية. ولم توفّر كبرى المسارح العالمية من حفلات واستعراضات قدمتها، وكانت تحصد نجاحاً دائماً. أدركت صباح اللعبة من البداية، وعرفت كيف توظّف مواهبها التمثيلية والغنائية لمصلحتها، كانت تُسافر على حسابها، لمشروع فنّي ترى فيه إضافة لنجاح. ورغم ذلك تزوجت من النائب اللبناني الراحل، جو حمود، وبعدها المسرحي الراحل، وسيم طبارة، وكان آخر ارتباط لها دام 14 عاماً زواجها بالراقص فادي لبنان.
وظّفت صباح عدداً كبيراً من مصممي الأزياء وخبراء التجميل، لخدمتها وخدمة فنّها. مصمم الأزياء، وليم خوري، كان من أكثر المصممين الذين أمدوا صباح بالنجاح في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كل أزيائها المبُهرة حملت توقيع خوري. وتعاونت أيضاً مع المصممة الإيطالية، فلتشينا روسي، وبعدها مع المصمم توفيق حطب، وكذلك زهير مراد وبسام نعمة في السنوات الأخيرة. ولم يغب المزين اللبناني الراحل، جان عواد، عن تلك الأسماء. ويُعتبر عواد واحداً من أهم المُسَرِّحين في العالم العربي الذين عرفوا صباح في سنوات نجاحها وتألقها. حمل عواد أسراراً كثيرة عن صباح وحياتها الخاصة والفنية قبل أن يرحل، وكذلك المزين جوزف غريب الذي رافقها في سنوات مرضها، وكان الابن المطيع لصباح، والمشرف على إطلالاتها في الإعلام قبل وفاتها 2014.