في ذكرى الربيع المغربي

02 مارس 2018
+ الخط -
تعتبر دينامية "20 فبراير" الوجه المغربي للربيع العربي، فهي، في الوقت الذي جسدت فيه هشاشة شعار الاستثناء المغربي الذي طالما تردّد، في بدايات انفجارات 2011، كرست بشكل مفارق بعض عناصر الخصوصية المغربية: المتمثلة أساساً في استمرارية اشتغال مؤسسات الوساطة الحزبية والنقابية والحقوقية، حتى في أحلك الظروف السياسية، فضلاً عن معطى الشرعية التي تحظى بها المؤسسة الملكية في البلاد. جعل هذان الشرطان شعارات الحراك الشبابي تبدو امتداداً طبيعياً لمطالب الأجيال السابقة، المنخرطة في النضال الديمقراطي بمختلف واجهاته، ذلك أن مطالب الإصلاح الدستوري، ومواجهة الفساد والاستبداد، والفصل بين السلطة والمال، ظلت حاضرة في دفتر مطالب اليسار والقوى الديمقراطية، لكن هبّة 20 فبراير 2011 قدمتها بنبرة مختلفة وبلغة أكثر جرأة ومباشرة. من جهة أخرى، شكل الخطاب الملكي، في 9 مارس/ آذار 2011، تجاوباً سياسياً لافتاً مع أصوات التغيير، مكّن المغرب من تدبير ذكي للرياح العاصفة في كل محيطه الإقليمي.
الغاية من هذا التذكير هي القول إن شروط استقبال موجة الربيع، سواء على مستوى كل المجتمع أو الدولة، كانت أكثر توفراً في الحالة المغربية من حالات أخرى، لم يتمكن خلالها خيار الإصلاح من استيعاب السقف المرتفع للمرحلة.
بمناسبة ذكراها السابعة، توزعت صيغ استحضار "20 فبراير"، باختلاف السياق وطبيعة العلاقة مع الحدث. يفعل ذلك بعضهم مستنداً على سجل العاطفة والحنين، حيث الذاكرة 
الشخصية تختلط مع التاريخ العام. ويحاول آخرون التعامل مع الذكرى بكثير من الحياد والمسافة السياسية، وهو أمر غير ممكن تماماً بالنسبة للجيل الذي شكلت هذه المحطة شهادة ميلاده السياسي والرمزي. يعيد الصحافيون، ربما من فرط التقليد، تقريباً السؤال التراجيدي نفسه: ما الذي تبقى من "20 فبراير"؟ يحاول الباحثون تفكيك وإعادة بناء الحدث، اعتماداً على ما تسمح به النظريات المفسرة للحركات الاحتجاجية والاجتماعية، منتبهين إلى طبيعة النظام السياسي المغربي وتحولات المجتمع، واستراتيجيات فاعليه. ويسترجع النشطاء الذكرى كأي مغامرة مثيرة، مستحضرين التفاصيل الصغيرة للحدث وعشرات الأسماء ومتتاليات من الوقائع، وفق سرديات شخصية متقاطعة، مليئة بالشحنة الانفعالية والوجدانية.
في التعاليق السياسية العابرة، كثيراً ما تتكرر الإحالة على الحدث، منطلق التحقيب، باعتباره عنوان مرحلة جديدة. وضمن ذلك تبدو دائماً عملية المقارنة مغرية: أين نحن من زمن "20 فبراير"؟.
عودة إلى محاولة الجواب على سؤال: ما الذي تبقى من "20 فبراير"؟ في السطح، وعلى مستوى التدبير التكتيكي للدولة: لا شيء. استعادت السلطة ما تنازلت عنه تحت ضغط الشارع، وانتقلنا من حزبٍ للدولة إلى حقل حزبي كامل تحت المراقبة. أما الدستور، غنيمة الحراك اليتيمة، فقد تحول تحت تأثير عمليات النزيف والتحلل المستمرة إلى وثيقة للاستئناس والتطبيق التقديري.
في العمق، وعلى مستوى التحولات الاجتماعية "الثقيلة": تبقى الكثير. لعل الأهم هو ترسخ عقيدة المساءلة لدى الأجيال الجديدة. يبدو ذلك واضحاً من حدث الاحتجاج الذي رافق العفو عن مغتصب الأطفال الإسباني، كالفان، إلى حراك الحسيمة غير المسبوق في كثافة أحداثه واستمراره الزمني، وصولاً إلى الاحتجاجات الحالية في المدينة المنجمية جرادة.
جعلت التحولات الاجتماعية نفسها أدوات الضبط الانتخابي والإداري والاجتماعي تهزم جميعها شر هزيمة في اقتراع 2015.
في الخلاصة: انتصرت السلطة، تكتيكيّاً، على مخرجات الهبّة الشبابية، لكنها موضوعياً عاجزة عن القضاء على روح "20 فبراير" التي لا تعني سوى رفض المجتمع وصاية الدولة.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي