في انتظار أن تقع الحادثة

05 نوفمبر 2015
في انتظار أن تقع الحادثة (مواقع التواصل)
+ الخط -
كنا أطفالاً مكدسين في سيارة ذاهبين للنزهة، لكن الطريق طالت وشعرت أرواحنا بالملل من أوضاع الجلوس غير المريحة فشرعنا بالغناء "يا رب نعمل حادثة يا رب نعمل حادثة". وأصبح الطريق أقل وحشة.


كانت سرعة السيارة تتجاوز المائة وستين كيلومتراً في الساعة من دون اعتراض أو خوف من الراكبين. لم يقرروا الموت بعد، لكن الطريق طويل ويبعث على الملل، يحبس الجلوس هكذا في مقاعدهم أرواحهم عن التحليق، تستحق مشاعرهم المجازفة لذلك يحركون أذرعهم لأعلى وأسفل، يتمايلون في حركات أشبه ما تكون بالرقص، يرفعون صوت الموسيقى حتى تصبح أعلى من خفقات قلوبهم، لا يسمعونها ولا يسمع أحدهم الآخر ولا يكملون حديثاً بدأوه، لا مجال للصمت، يكفي الليل، يتشاجرون ويبدون اعتراضهم فقط لو بدت الموسيقى غير صاخبة وحزينة تذكرهم بأيام لم تنس بعد.

كنت أراقبهم من بعيد لم أشعر بأنني واحد منهم، حاولت مجاراتهم لكنني لم أستطع، كبرت بما فيه الكفاية لأكون أقل صدقاً وليزعجني صخب الموسيقى. لم تزل آثار الكحول بعد، فكرت في أن هذه ستكون حادثة تقليدية تكررت مئات المرات، قررت أنني لن أموت اليوم، توجد رواية لم أنهها بعد وراتب متأخر ينتظرني لأنفقه وزيارة مؤجلة لأبي وحوادث أخرى أنتظرها. بث فيَّ ذلك الطمأنينة ولم أعاود التفكير أو النظر في عداد السرعة المجنون. لن تكون هناك حوادث مثل التي طالما تمنيتها بدافع الملل فقط، سنصل أسرع.

يتوقفون في أول استراحة لتناول القهوة وشراء السجائر ورؤية وجوه بعضهم بعضاً وليحسبوا كم يملكون من النقود، لم يخططوا لهذه الرحلة مسبقا، فقط صادف أن كان اليوم عيد ميلاد أحدهم، ولم يود أن يقضيه وحيدا.. ونحن أيضا.

في الطريق مررنا بالقرب من أحد معسكرات الجيش، يوجد فيها صديق لنا يؤدي خدمته العسكرية الإلزامية، فهاتفناه لنخبره فقط بأننا ذاهبون لنتسكع ونلهو بينما هو يسهر مجبراً لتأدية حق الوطن عليه، وهو تقبل ذلك بصدر رحب، كنت أنا الوحيد من بين الموجودين الذي سبق أن أدى الخدمة العسكرية، بشكل ما لم تكن أتعس أوقات حياتي ما زلت أشعر بالحنين إلى تلك الأيام التي صارت بعيدة ورفاقها الذين انقطعت صلتي بهم، يا لي من شخص جدير بمثل هذه حياة!

وصلنا الإسكندرية لم تكن هذه زيارتي الأولى لها لكنها كانت دائماً ناقصة، ساعات معدودة في كل مرة، الإسكندرية لا تحب الوحيدين لم أشبع من مقاهيها بعد وليست لي ذكريات مع البحر، يراودني أحياناً خاطر بأن أقفز فيه، أنا لا أجيد السباحة، أنا لا أريد أن أغرق، أريد أن أتعلق بقشة فقط.

مع شروق الشمس غادرنا من دون أن نلقي بعملات في البحر، من دون أمنيات في طريق العودة هدأت الموسيقى قليلاً وكشف النهار عن وجوه أصدقائي بعد أن زالت آخر آثار الكحول، كان يوماً آخر ناقصاً لكنه ليس مناسباً للموت.

(مصر)
المساهمون