في الضفة... دولة "أبارتهايد" ضربتها المقاومة

15 أكتوبر 2015
لم تنجح إجراءات الفصل بوقف عمليات المقاومة (فرانس برس)
+ الخط -

تجتهد حكومة الاحتلال في ابتكار وسائل "أبارتهايد" (فصل عنصري) جديدة في الضفة الغربية، وتبدع في خلط أكثر من وصفة عنصرية لأنظمة مختلفة، لتشكّل بالتالي هوية الاحتلال الإسرائيلي من جهة، وواقعاً يومياً للفلسطينيين يزيد حياتهم صعوبة وقهراً كل يوم.

ويرى مختصون ومحللون أن إسرائيل على الرغم من نسجها نظاماً عنصرياً يضرب المفاصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية، إلا أن الفلسطينيين نجحوا دوماً في اختراق هذا النسيج، وتلمُّس خاصرة إسرائيل الأضعف وضربها في عمليات مقاومة نوعية، على الرغم من ملاحقة الاحتلال والتنسيق الأمني الذي تقوم به أجهزة الأمن الفلسطينية.

ينعكس نظام الأبارتهايد الذي تطبّقه إسرائيل على الضفة الغربية المحتلة، في أشكال عدة، أبرزها الشوارع الالتفافية حول المدن والبلدات الفلسطينية والتي يحظّر على الفلسطينيين استخدامها، فضلاً عن المئات من أصناف التصاريح التي لا يمكن للفلسطيني التنقل للعمل، أو للعلاج أو السفر للدراسة، أو الزواج، من دون الحصول على واحدة منها.

وتبدو الطرق ووسائل المواصلات الخالية من الفلسطينيين، أبرز أشكال الأبارتهايد، التي تتعامل معه دولة الاحتلال كأمر واقع. وفيما تثير هذه الطرق صدمة الدبلوماسيين الأجانب والعرب الذين يزورون الأراضي الفلسطينية المحتلة لأول مرة، فإن المستوى الرسمي الفلسطيني سلّم منذ أوسلو بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً تجاه هذه الشوارع الالتفافية، ويقتصر رده على بيانات الشجب والاستنكار أحياناً.

ويؤكد خبير الخرائط، خليل التفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إسرائيل نجحت في خلق نظام أبارتهايد في الضفة الغربية المحتلة على مدار السنوات الماضية، ولم يبقَ سوى القليل للانتهاء من هذا النظام الذي نُفذت غالبية تفاصيله في العقدين الماضيين". ويشير إلى أن "هذا المشروع ليس جديداً وإنما ضمن الأمر العسكري رقم 50 لعام 1983، والذي يهدف لمنع إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي، وبالتالي ما تم في عامي 1991 و1992 من إعادة انتشار والتفاف، هو تنفيذ لهذه السياسة الهادفة إلى محاصرة القرى الفلسطينية بالشوارع الإسرائيلية والمستوطنات، ما يضمن سهولة السيطرة الأمنية والجغرافية على سكانها".

ويؤكد أن "هذا النظام الذي نفذت إسرائيل الجزء الأكبر منه، يؤدي في النهاية إلى أن كل تجمّع سكاني فلسطيني يكون محاطاً بمستوطنات وشوارع التفافية، بحيث يتم قطع أي مدينة أو بلدة عن محيطها الفلسطيني بدقائق، ولأسباب أمنية".

وعلى الرغم من ملايين الدولارات التي دفعها الاحتلال لشق هذه الشوارع بغية إيجاد طرق آمنة لمستوطنيه وجنوده، والإحكام على التجمعات السكنية الفلسطينية من مدن وبلدات، إلا أن المقاومة الفلسطينية وعلى مدار السنوات الماضية، اكتشفت أن هذه الطرق باتت تُشكّل خاصرة إسرائيل الموجعة، إذ يستطيع أي مقاوم قنص مستوطن أو جندي إسرائيلي في كمين محكم، لتتحوّل هذه الطرق الآمنة إلى "فخ" يجيد المقاوم الفلسطيني نصبه لعناصر الاحتلال.

وتقيم حكومة الاحتلال هذه الطرق على المناطق المصنّفة "سي" حسب اتفاقية أوسلو، وتُشكّل هذه المناطق 63 في المائة من إجمالي الضفة الغربية أي دولة فلسطين المحتلة عام 1967 والتي تطالب القيادة الفلسطينية بإنهاء الاحتلال عنها.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يبدأ في تطويق الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة

ويقول الكاتب والمحلل السياسي علاء الريماوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "دولة الاحتلال أقامت شوارعها الخاصة على الأراضي المصنفة "سي"، ما جعلها تعيش في حالة إرباك لأنها حوّلت كافة الطرق لمستوطنيها وجنودها إلى المناطق الآمنة من المواجهة عبر الجبال، لكن لا يستطيع أحد أن يمنع الفلسطيني من وضع كمين في الطرقات"، لافتاً إلى أن "الاحتلال يستطيع أن يمنع مقاوماً فلسطينياً يقود سيارته من دهس إسرائيلي، لكن لن يستطيع منعه من عمل كمين محكم له، وإطلاق النار عليه".

وتشير المعطيات الحالية إلى أن أكثر العمليات النوعية للمقاومة الفلسطينية تمت بالفعل على هذه الطرق، وكان آخرها على سبيل المثال: عملية قنص مستوطنين اثنين في منطقة "بيت فوريك" شرق نابلس مطلع الشهر الحالي، وقبلها عميلة قتل مستوطن في منطقة سلواد قرب رام الله، وقلنديا جنوب رام الله، وكلها عمليات نوعية نفذتها المقاومة في الشهور الثلاثة الماضية.

ويلفت الريماوي إلى أن "الطرق الالتفافية باتت الخاصرة الأضعف حالياً لدولة الاحتلال، ونفذت المقاومة الفلسطينية في انتفاضة الأقصى 82 في المائة من عملياتها على هذه الطرق".

ويبدو الإرباك الإسرائيلي الذي وصل إلى مرحلة العجز، واضحاً في سلسلة القوانين الإسرائيلية التي تُحاكِم بالسجن المشدد 20 عاماً رماة الحجارة، الذين حوّلوا هذه الطرق الآمنة حسب الادعاء الإسرائيلي، إلى طرق لصيد المستوطنين، عبر الحجارة أو كمائن لإطلاق النار التي لم تتوقف يوماً. أما التصاريح التي تشترط إسرائيل على الفلسطيني الحصول عليها للعلاج أو العمل داخل الأراضي المحتلة، فلم تشكل يوماً حاجزاً أمام الفلسطينيين لمعرفة طريقهم نحو باقي الأراضي المحتلة، متجنبين الحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل في العام 2002.

ولعل العمليات الفردية التي نفذها مقاومون، مثل حمزة المتروك من طولكرم في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، في أكثر شوارع تل أبيب استراتيجية، حيث قتل وجرح 11 إسرائيلياً، وياسر طروة في قلب القدس المحتلة في يونيو/حزيران الماضي، وغيرها من العمليات الفردية التي خرج المقاومون من الضفة الغربية من دون تصاريح عمل، أثبتت أن إسرائيل تستطيع عبر إجراءات الأبارتهايد أن تخفف من حدة عمليات المقاومة لكنها بالتأكيد عاجزة عن منعها وردعها عبر كل إجراءاتها العنصرية، لأنها باختصار لا تقاتل تنظيمات بل مجتمعاً بأكمله، ما يجعل مهمة الاحتلال في اجتثاث المقاومة مستحيلة.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يؤجل محاكمة الشيخ رائد صلاح.. واعتقالات مكثفة بالضفة

المساهمون