فيلم "محبس".. الرقابة تفتح باب التأويلات

30 ابريل 2017
(من فيلم: محبس)
+ الخط -


يأتي "محبس" الفيلم الأوّل لمخرجته صوفي بطرس، بعيدًا عما يُشاع عنه بكونه يُعالج عقودًا من التجاذبات السورية- اللبنانية، الهدف النبيل من وراء الفيلم فشل في إيجاد دلالات سينمائية تخدمه، فمنذ الوهلة الأولى يذكّرنا بفيلم "Guess who's coming to dinner" لكنه يفشل في مجاراة الفيلم الكلاسيكي بتخوّفه من الانخراط في الموضوع الذي يُفترض أنه يناقشه، وتسير الأحداث مراعيةً لتوقّع المشاهد ومخالفة في بعض الأحيان لطبيعة النفس البشرية نظرًا لعدم طرح أسباب منطقية في تحوّل مشاعر الشخصيّات والهشاشة في بناء الشخوص وعلاقاتها.

يتصدّى لبطولة الفيلم مجموعة من الممثلين اللبنانيين والسوريين، في طليعتهم جوليا قصّار وعلي الخليل مع حضور لبسام كوسا ونادين خوري، إضافة لجابر جوخدار وسيرينا الشامي وبيتي توتل. وإن كان لبعض هذه الأسماء أعمالهم السينمائية إلا أن الأثر التلفزيوني يتّضح جليًا بوجود ثلاثي مسلسل 3 بنات (قصار- الخليل- توتل)، وطريقة التصوير المتّبعة بالتركيز على وجوه الشخصيات وعزل الجمهور عن المحيط أي البيئة الريفية التي كان من الممكن استغلالها بشكل أفضل.

يستعرض الفيلم يومًا واحدًا في حياة أسرة لبنانية عند قدوم عائلة سورية لخطبة ابنتها بعد تعارف العروسين في دبي، وبالتحديد حول تيريز، الأم اللبنانية التي تجهل جنسية القادمين لخطبة ابنتها وهي التي تحمل حقدًا على السوريين؛ بعد قضاء أخيها في الحرب بقذيفة سورية.

تفرش هذه الحبكة الأرض أمام سيل من النكت المطروقة وسوء الفهم التي يفترض صانعو الفيلم أنها تمثّل كوميديا الموقف، إضافة لسذاجة خطط الأم في دأبها لإفشال حدوث الخطبة؛ فتارة تمتنع عن الجلوس مع الضيوف، وتارة تُحضر حبيب ابنتها السابق وتطلب منه مراقصة العروس غادة وصولًا لخطّتها الأخيرة بإخفاء الخاتم في حقيبة الأم السورية. يتخلّل هذه المشاهد حديث تيريز مع صورة أخيها الذي يحرّضها أحيانًا ويذكّرها أحيانًا بجمال صوت صباح فخري، ما جعل المشاهد في حيرة إن كان هو صوت ضميرها أم هو مجرّد تبرير لاواعٍ لأفعالها، ليختفي بنهاية الفيلم بعد حلّ المعضلة ما يزيد قناعة المشاهد أن وجوده منذ البداية كان مُقحمًا.

يُحاول الفيلم أن يصيغ بطريقة ذكيّة أن الشخصيات لا تمثّل كل السوريين ولا كل اللبنانيين، فالفيلم يمثّل حكاية أفراد إلّا أنه سقط في فخ أقسى وهو تباعد المستوى الاجتماعي للأسرتين نظرًا للفروق الطبقية بين الأسرة اللبنانية الريفية البسيطة، والأسرة السورية البرجوازية ذات الرفاهية الواضحة.

تحميل رسالة للفيلم زاد الأمور سوءًا؛ فخلال الفيلم تظهر مشاهد متباعدة في أرجاء الدقائق الاثنتين والتسعين حول خلاف بين أبناء العمومة في القرية اللبنانية المفترضة، كمحاولة للتمهيد أمام العقدة ثم الحل الذي يُساهم فيه الأب السوري بسذاجة مستغربة. هذه المقاربة التي تحاول تحميل الفيلم رسائل ضمنية في طياته تذهب مع الريح أمام الكاريكاتورية في تصوير مشاهد الشجار وكذلك الهزل في طريقة التدخّل السوري.

الحلول السهلة بالنسبة لكاتبتي الفيلم صنعت أوّل حاجز بين الجمهور وشخصيات الفيلم، فباستثناء الوالد اللبناني "رئيس البلدية" الذي يعيش علاقة مع سكرتيرته، ومروان الحبيب السابق للعروس وهو الميكانيكي الذي يفتتح معهدًا لتعليم الرقص في تكرار لمحاولة استجرار الضحكات؛ لا ملامح للشخصيات ولا توضيح لعمل أي منها، علاقة الحبيبين مضطربة لا توضيح عن قرارهما بالزواج أو مدى إدراكهما لمفهوم مؤسّسة الأسرة، وصولًا للنهاية السعيدة بعد شد وجذب بينهما بعد المشاكل التي يثيرها مروان وانعدام الثقة بينهما؛ هذه النهاية يصل لها الفيلم دون تكبد عناء الحوار الختامي أو الأسلوب الذي يتوافق فيه الحبيبان ويكتفي بموسيقى هادئة ترافق وقوفهما ثم الاحتضان لينتهي الفيلم بأن الحب قادر على ردم الهوّات وتجاوز التراكمات.

لكن هذه الدعاية المنمّقة للحب تعارض سبب الكراهية الأساسي هو الحب الأعمى الذي يتملّك الأم لأخيها الفقيد.

ولأن الفيلم بقي يبتعد عن الخوض في الأحاديث المباشرة، ويكتفي بالإيحاء الناتج عن سوء التواصل والصورة النمطية ترك الثقل واللائمة على كاهل الأم، فهي المسؤولية عن لجوء زوجها لعلاقة أخرى وعن محاولات إفشال الخطبة، وبالتالي سهولة الحل كون جميع الأمّهات يردن الخير لبناتهن.

الأداءات في الفيلم كانت جدّ عادية حتى من قصّار التي حازت جائزة أفضل ممثّلة في مهرجان دبي السينمائي في دورته الأخيرة، حضور كوسا المتميّز عادة لم يحمل جديدًا، لكن اللافت كان جوخدار الذي أتقن الانتقال من حالات الخجل إلى الغضب ثم الحزن وأصاب بردود أفعاله ونظراته بعكس الحائرين البقية أو المرتكسين إلى ما يطلبه النص العادي أيضًا.

 وقع الفيلم أيضًا في انفصال حركة الممثلين السوريين عن اللبنانيين، فلا كادر يجمعهم ولا قدرة للحوار على وضع قدراتهم التمثيلية أمام اختبار حقيقي أو جمعهما في ذات الحالة النفسية وهنا يقع الفيلم في ما يسعى لإدانته.

الفيلم من إنتاج ART، أخرجته صوفي قصّار وكتبته بالتشارك مع ناديا عليوات، وأجرى عملياته الفنية المخرج الأردني فادي حداد وألف زياد بطرس الموسيقى الخاصة به، كما لحّن أغنيته "يمكن" كلمات فادي الراعي، والتي أدتها أيضًا المخرجة بطرس.

لاقى الفيلم نجاحًا جماهيريًا بعد عرضه في لبنان وسورية والأردن والكويت، وبالإمكان الاطلاع على منجزات مقص الرقابة في مختلف هذه البلدان، في ما يخصّ سورية كونها جزءًا من القضية المطروحة ومشاركة ممثليها في الفيلم؛ فخلال الأيّام الأولى للعرض حذف الرقيب كل ذكر للجيش السوري وصولًا للمشهد الحاسم الذي تصرّح فيه الأم عن موت أخيها على يد السوريين، حيث تم حذف المشهد بشكل تعسفي ما ترك أفراد العائلتين في مشهد صامت يتبادلون النظرات لأكثر من ثلاث دقائق من دون أن يدرك الجمهور سبب نهاية الشجار وخروج العائلة السورية.

إضافة لحذف الألفاظ الخارجة وقبلة تجمع الحبيبن. فمن جهة عامل الرقيب الجمهور كما عاملت الأسرة اللبنانية نظيرتها السورية بإخفاء سبب مقتل الأخ وهذا ما جعل شخصية الأم مكروهة لتعذر عن وجود سبب لعنصريتها، ومن جهة أخرى فتح باب التأويلات عن مشاهد حميمية تجمع العروسين لتكون النتيجة أيضًا "هيك البنات اللبنانيات" اقتباسًا من الفيلم نفسه.

* أتاحت الرقابة السورية عرضة نسخة أخرى من الفيلم تتضمّن القبلة بين الحبيبين ومشهد الشجار في نهاية الفيلم بعد أسبوع من العرض الجماهيري.