هناك، شوارع تحوّلت إلى مسارات للأنهار وأخرى إلى مراتع للأشباح تعصف بها الرياح التي وصلت سرعتها أحياناً إلى 150 كيلومتراً في الساعة. عند كتابة هذه الأسطر، كانت قوّة إعصار فلورنس الذي يضرب سواحل نورث كارولاينا الأميركية قد ضعفت، بحسب المركز الوطني الأميركي للأعاصير، غير أنّ ذلك لا يعني بالضرورة تلاشي الخطر، لا سيّما وأنّ جزءاً من التهديد يكمن في كميّة الأمطار المتساقطة. ومع استمرار الأمطار المتوقّع حتى غداً الأحد، فإنّ خطر الفيضانات التي قد تنجم عنها كبير، ناهيك عن العواصف التي لا تتوقف.
وراحت السيول تغرق الشوارع، خصوصاً في بعض المناطق القريبة من السواحل والأنهار، الأمر الذي اضطر فرق الإنقاذ المحلية والفدرالية الموجودة في المنطقة إلى استخدام القوارب للتنقل في تلك الشوارع، بهدف إنقاذ أكثر من 150 شخصاً عالقين في بيوتهم التي بلغتها الفيضانات. لكنّ فرق الإنقاذ تضطر في أحيان كثيرة إلى تعليق عملياتها، مع اشتداد حركة الرياح والعواصف، إذ إنّ ذلك من شأنه أن يعرّضها للخطر. وتنتظر السلطات هدوء العاصفة لإنقاذ 200 شخص آخرين عالقين في بيوتهم إذ إنّهم لم يلتزموا بأوامر الإخلاء أو لم يتمكنوا من القيام بذلك في الوقت المناسب. يُذكر أنّ السلطات المختصة كانت قد طالبت سكان بعض المناطق بإخلائها، ويُقدّر عدد الذين أخلوا بيوتهم بمليون شخص. إلى ذلك، تتوجّه فرق الإنقاذ من ولايات مجاورة إلى نورث كارولاينا لتقديم المساعدة في عمليات الإنقاذ حالما تشتدّ الحاجة.
في السياق، يوضح مكتب المتحدث الإعلامي لولاية نورث كارولاينا لـ"العربي الجديد"، أنّ "المشكلة تتعلق بأولئك الذين رفضوا إخلاء منازلهم في البداية، عندما صدرت التحذيرات الرسمية. هم لم يستوعبوا خطورة الموقف لأنّنا لم نشهد منذ سنوات إعصاراً من هذا العيار، كذلك يتناسى البعض مشكلات الفيضانات التي تمثّل الخطر الأكبر في كثير من الأحيان بسبب تساقط المياه المستمر على مدى أيام والذي يكون مصحوباً برياح قوية كذلك". ويشير المكتب إلى أنّه "في بعض تلك المناطق، بدأت عمليات الإنقاذ مساء الخميس الماضي، لكنّ المشكلة تكمن في أنّ فرق الإنقاذ غير قادرة على التحرّك بسرعة وتضطر إلى تعليق العمليات عندما ترى أنّ العواصف والرياح قد تشتدّ مجدداً. كذلك، نحن نتعامل مع بعض الأشخاص من كبار السنّ أو من المعوّقين، وبعضهم قد يعيشون بمفردهم. وكلّ ذلك تحديات يجب أخذها في الحسبان والتحرّك بحذر، لأنّنا لا نريد أن يصل الوضع إلى مرحلة تعرّض فرق الإنقاذ نفسها إلى مخاطر".
بحسب المركز الوطني للأعاصير، فإنّ ثمّة 10 ملايين شخص تقريباً يعيشون في مسار العاصفة. كذلك، تلقى أكثر من مليون شخص أوامر بإخلاء بيوتهم، خصوصاً تلك الواقعة على السواحل في كلّ من ولايات نورث كارولاينا وساوث كارولاينا وفيرجينيا، في حين أنّ الآلاف انتقلوا بالفعل إلى الملاجئ. تجدر الإشارة إلى أنّ المركز الوطني للأعاصير سجّل ارتفاعاً في منسوب المياه بسبب الفيضانات والأمطار والعواصف وصل إلى 10 أقدام، أي نحو ثلاثة أمتار. وقد طلبت السلطات المختصة من سكان المناطق المستهدفة الانتقال إلى الطبقة الأعلى في مساكنهم والبقاء فيها، حتى لا يغرقوا في المياه التي غمرت الطبقات الأدنى في كثير من الأحيان.
في مؤتمر صحافي عُقِد في هذا السياق، قال المسؤول في الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ، بروك لونغ، إنّ "إعصار فلورنس وللأسف الشديد، يتحرّك بالطريقة التي توقّعناها بها. والأمر الأكثر دماراً وخطورة فهو العواصف التي تنجم الفيضانات عنها، ما اضطرنا إلى البدء بعمليات الإنقاذ المكثفة في مناطق عدّة وسوف نستمر في ذلك". وعن فرق الطوارئ والخطوات التي أتت بها السلطات الفدرالية لمساعدة السلطات المحلية في نورث كارولاينا، أوضح لونغ أنّ "ثمّة عدداً من فرق الإنقاذ المشتركة، وهي ليست فقط تلك التابعة للحكومة الفدرالية بل كذلك تلك التابعة لحكومات الولايات وأخرى للمدن والبلدات المحلية. وفي الوقت الحالي، نركّز، وهو ما نقوم به في البداية عادة، على مهام الإنقاذ. على الأرض، أكثر من 1300 شخص من ضمن تلك الطواقم المختلفة، وهم ينتشرون في مناطق عدّة في خارج نورث كارولاينا كذلك. وتلك الفرق تتوزّع بحسب توقعات مراكز الأرصاد الجوية، ونعمد إلى توزيعها من جديد بحسب المستجدات على الأرض وبحسب الحاجة".
من جهته، حذّر حاكم ولاية نورث كارولاينا، روي كوبر، من خطورة الوضع وزيادة تلك الخطورة مع اقتراب العواصف من الخط الساحلي. أضاف أنّ تلك العواصف المصحوبة بالأمطار قد تستمر لمدّة يومَين أو أكثر، مشيراً إلى أنّ فيضانات تاريخية قد تحدث في بعض المناطق، خصوصاً تلك المنخفضة، وذلك على مستويات لم تسجّلها المنطقة من قبل. يُذكر أنّ سرعة الرياح التي سُجّلت حتى كتابة هذه الأسطر، وصلت في بعض المناطق إلى نحو 165 كيلومتراً في الساعة. وكانت رياح أخرى وصلت سرعتها في وقت سابق من الأسبوع إلى نحو 220 كيلومتراً في الساعة. وقد شدّد حاكم الولاية كذلك على ضرورة توخّي الحذر وعدم التهاون وبالبقاء على أهبة الاستعداد، حتى وإن انخفضت سرعة الرياح لأنّ سقوط الأمطار المتوقع والمستمر يزيد من مخاطر الفيضانات الإضافية.