فيتو روسي يعاقب الشعب السوري مجدداً

09 يوليو 2020
يحتاج أكثر من أربعة ملايين سوري لمساعدات إنسانية ملحة (Getty)
+ الخط -

يأتي الفيتو الروسي – الصيني الذي أفشل قراراً تقدمت به كل من بلجيكا وألمانيا أول من أمس الثلاثاء في مجلس الأمن الدولي، يجدد تقديم المساعدات الإنسانية في سورية عبر الآلية العابرة للحدود لمدة عام كامل، ليفرض واقعاً جديداً حول إدخال المساعدات ولا سيما في حال تبني قرار آخر ربما يتم التصويت عليه في الأيام القليلة المقبلة، يختصر إدخال المساعدات من خلال معبر واحد بدلاً من معبرين.

وطالب مشروع القرار الألماني البلجيكي بالتجديد لعمل الآلية العابرة للحدود لتقديم المساعدات الإنسانية في سورية، والتي ينتهي التفويض الذي تعمل وفقه في العاشر من يوليو/تموز الحالي بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2504 (2020)، عبر المعبرين التركيين باب الهوى – جيلفا كوز المحاذي لمحافظة إدلب، وباب السلامة – أونجو بينار المحاذي لمحافظة حلب، وتحديداً مناطق النفوذ التركي في ريف حلب الشمالي.

وعلى الرغم من مناشدات المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، بقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن على أن ينصّ مشروع القرار كذلك على تقديم المساعدات عبر معبر اليعربية العراقي، الذي كانت تقدم منه المساعدات الإنسانية وخصوصاً الطبية للشمال الشرقي في سورية قبل ستة أشهر، إلى جانب معبري تركيا، إلا أنّ روسيا رفضت حتى القبول ببقاء تقديم المساعدات عبر المعبرين، معتبرةً أنّ معبراً واحداً وهو باب الهوى – جيلفا كوزو يكفي لإدخال المساعدات.

يتوقع عاملون في القطاع الإغاثي والإنساني أن تنخفض المساعدات حوالي 70 في المائة

وفي حال نجح الروس في إصدار قرار جديد يختصر دخول المساعدات عبر معبر واحد (باب الهوى)، فإنه من المتوقع أن يؤثر ذلك على حجم المساعدات التي ستدخل إلى الشمال السوري، ولا سيما عن طريق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إذ يتوقع عاملون في القطاع الإغاثي والانساني أن تنخفض المساعدات حوالي 70 في المائة من تلك التي يقدمها المانحون للأمم المتحدة لتوزيعها في الشمال السوري.

في السياق، أشار مدير قسم المناصرة في الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، فادي حكيم، إلى أنّ "قرار إدخال المساعدات عبر الحدود، يشمل فقط المساعدات التي تدخل عبر وكالات الأمم المتحدة، ولا يشمل المساعدات التي تدخل عن طريق المنظمات غير الحكومية، والتي يتم إدخالها عبر القسم التجاري من المعابر، أما مساعدات الأمم المتحدة فلها آلية رقابية خاصة". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "عدد الشاحنات التي دخلت منذ العام 2014 وإلى الآن، يزيد عن 37 ألف شاحنة، 73 في المائة منها مقدمة من برنامج الغذاء العالمي، ما يشير إلى ماهية المساعدات ذات الطابع العاجل والإغاثي"، منوهاً إلى أنّ "روسيا تبرر اعتراضها على مسألة إدخال المساعدات، بأنّ ذلك يتعارض مع مبدأ السيادة، إذ إنّ دخول المساعدات يتم من دون الحصول على موافقة دمشق، علماً أنّ هذا التبرير منقوص، ويتوجب على الدولة المعنية توفير أسباب مقنعة لرفض دخول المساعدات الإنسانية".

وأوضح حكيم أنّ "هناك سيناريوهات أو مسودات عدة بعد الفيتو الروسي – الصيني، إذ من المفترض أن تتقدّم روسيا بمشروع يختصر دخول المساعدات على معبر باب الهوى لمدة ستة أشهر فقط، في حين تجهز ألمانيا وبلجيكا مسودة أخرى ربما يتم التفاوض عليها مع الروس تتبنى دخول المساعدات من معبري باب الهوى وباب السلامة لمدة ستة أشهر، في حين كان الطلب 12 شهراً للمعبرين في السابق".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ولفت إلى أنه "في حال عدم التمديد للقرار، فإنّ ذلك يعني خسارة كامل الدعم المقدم من وكالات الأمم المتحدة والمقدر بحدود 300 مليون دولار سنوياً، ولن يكون بإمكان المنظمات غير الحكومية تعويض هذا الفارق بسهولة، لا سيما مع الإمكانات اللوجستية الكبيرة المتوفرة لدى وكالات الأمم المتحدة وقدرتها على إدارة سلاسل إمداد كبيرة، خصوصاً في ظلّ تردي أوضاع الشحن الدولي مع تفشي وباء كوفيد-19".

بدوره، رأى هشام ديراني المدير التنفيذي لمنظمة "بنفسج"، وهي واحدة من أهم المنظمات الفاعلة في القطاع الإغاثي في إدلب وشمال سورية، أنّ "معبر باب السلامة شريان رئيسي لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق ريف حلب الشمالي وعفرين، وفي حال إيقاف هذا المعبر ستكون هناك صعوبة كبيرة في الوصول لهذه المناطق من خلال معبر باب الهوى، بسبب المسافة البعيدة جداً وعدم قدرة المعبر الأخير على استيعاب الكميات المطلوبة من الشاحنات لتمرير المساعدات".

وأضاف ديراني في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هذا سيؤثر أيضاً على مرور العاملين الإنسانيين إلى ريف حلب الشمالي لتسيير المشاريع الإنسانية الخدمية مثل المستشفيات والمدارس، خصوصاً أنّ تخفيض عدد المعابر المعتمدة ينساق ضمن توجه واضح لحصر العمل بمعبر واحد، والذي قد يتعرض لصعوبات كما حصل في أعوام سابقة، وهذا سيهدد حياة 4 ملايين نسمة".


الائتلاف السوري: استخدام روسيا والصين الفيتو ضدّ مشروع القرار الألماني البلجيكي جريمة كبرى بحق ملايين السوريين

وفي بيان لدائرة الإعلام والاتصال في "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" صدر أمس الأربعاء، اعتبر الائتلاف أنّ استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضدّ مشروع القرار الألماني البلجيكي "جريمة كبرى بحق ملايين السوريين". وأضاف "يسعى نظام الأسد إلى الاستئثار بالمساعدات واستغلالها كدعم له، واستخدامها كسلاح في حربه على الشعب، لا سيما في ظلّ العقوبات الدولية وسريان قانون قيصر"، متسائلاً "كيف لنظام جوّع السوريين وحاصرهم ورفع شعار الجوع أو الركوع، أن توكل إليه مهمة توزيع المساعدات عليهم؟!".

وطالب البيان المجتمع الدولي بأن "يتجاوز الاستعصاء الذي يعيشه مجلس الأمن الدولي والذي يزيد من تفاقم الأزمة وتصاعد الكارثة، وذلك بإنشاء آلية بديلة لضمان وصول المساعدات لكل من يحتاجها في سورية وبشكل مستمر إلى حيث انتفاء الحاجة، إضافة إلى فرض الظروف المناسبة لتنفيذ القرار 2254".

ويعيش قرابة ستة ملايين سوري في كل من الشمال الشرقي والشمال الغربي لسورية معظمهم من النازحين أو المهجرين قسرياً، ويحتاج أكثر من أربعة ملايين منهم إلى مساعدات إنسانية ملحة، كما أنّ أغلب تلك المناطق لا تقع تحت سيطرة النظام السوري.

وسابقاً كان يسمح للأمم المتحدة وحتى العاشر من يناير/كانون الثاني الماضي بموجب القرار 2165 (2014) وقرارات إضافية ذات صلة، بتقديم المساعدات العابرة للحدود عبر أربعة معابر وهي الرمثا (الأردن)، اليعربية (العراق)، باب السلامة (تركيا) المحاذي لريف حلب الشمالي، وباب الهوى (تركيا) المحاذي لإدلب. واستخدمت كل من روسيا والصين في ديسمبر/كانون الأول الماضي الفيتو وأفشلتا تبني مجلس الأمن لمشروع قرار يجدد لآلية تقديم المساعدات العابرة للحدود في سورية عبر ثلاثة معابر، بدلاً من الأربعة التي كان معمول بها. وكان القرار قد حصل على تأييد 13 دولة من أصل 15 دولة، لكن الفيتو الروسي الصيني حال دون تبنيه. وبعد جولة جديدة من التفاوض تمكن مجلس الأمن من تبني القرار 2504 (2020) في العاشر من يناير، والذي سمح بتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عبر معبري باب السلامة وباب الهوى فقط ولستة أشهر، أي أنّ مدته تنتهي في العاشر من الشهر الحالي.

المساهمون