13 نوفمبر 2024
فوز أردوغان وأنصار المشروع الإسلامي
استبشر كثيرون من أنصار حركات الإسلام السياسي خيراً بفوز رئيس الوزراء التركي، طيب رجب أردوغان، في الانتخابات المحلية في بلاده، أَخيراً، وأَعطت حزبه تفوقاً واضحاً على خصومه من اليساريين، ومن أتباع جماعة، فتح الله غولن، التي كانت تعتبر خزان أصوات الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا.
هناك من قرأ في الفوز عودة الحياة إلى مشروع الإسلام السياسي، بعد الضربات القوية التي تلقاها في مصر، عقب انقلاب 3 يوليو/تموز، وانتكاسة تجربة حزب النهضة في الحكم في تونس. ولا مجال للمقارنة بين تجربتي الحزبين الإسلاميين في تركيا والمغرب، على الرغم من أنهما يحملان الاسم نفسه، العدالة والتنمية، لسبب بسيطٍ، هو أَن أَردوغان يحكم فعلياً في بلاده، فيما زميله في المغرب، رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، مجرد موظف كبير، من دون سلطة حقيقية، في البلاط الملكي.
وقد شكلت تجربة حزب العدالة والتنمية التركي، في العقد الماضي، نموذجاً يضرب به المثل في العالم العربي على مدى قدرة الإسلام السياسي على بلورة مشروع مجتمعي ناجح. كما قدمت التجربة نفسها للغرب مثالاً ناجحاً على إمكانية تعايش الفكر السياسي للإسلام السياسي مع مفاهيم الدولة الغربية الحديثة، والتي يمكن تلخيصها في الديمقراطية والحرية والحداثة والعلمانية.
أَيضاً، اتخذ أنصار النموذج التركي في العالم العربي من نجاح حكم إسلاميي تركيا دليلاً قاطعاً على مبالغة وتهويل كثيريْن، غير مبررين، في صورةٍ كانت تقدمها الأنظمة السلطوية في بلدانهم عن حركاتها الإسلامية، لتخويف الغرب من كل حامل مشروعٍ سياسيٍّ بنكهةٍ دينية. لكن هذه الصورة (النموذج) التي أسسها أردوغان، اهتزت أَخيراً، على وقع الاحتجاجات التي شهدتها تركيا، وأساساً، لردود فعل أردوغان، نفسه على تلك الاحتجاجات.
فقد وجد نفسه مجبراً على اتخاذ قراراتٍ، يصعب تبريرها، أَساءت إلى صورته زعيماً كارزمياً لمشروع سياسي إسلامي، لدى شرائح واسعة في الشارع العربي، من قبيل استعمال العنف والقوة المفرطين في مواجهة متظاهرين معارضين حكمه، وكذلك فضائح الفساد التي انفجرت في وجه حكومته، على خلفية الصراع في بيته الداخلي مع جماعة غولن، والقرارات العشوائية في تقييد حرية التعبير، بإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت. وقبل ذلك، موقفه من الحرب في سوريا، بعدما شوهت أعمال وتصرفات جماعاتٍ، أصبحت توصف إرهابية، ثورة شعبها، ولم تواجهها حكومة أردوغان، بالإدانة والحزم نفسيهما، كما فعلت مع جرائم النظام السوري.
هذه القرارات ذات الطبيعة "السلطوية" أثارت شكوكاً كانت مستترة لدى الغرب، في مدى قناعة أصحاب مشاريع الإسلام السياسي بقواعد الديمقراطية، عندما يصلون إلى الحكم، وغذّت من جديد مخاوف شرائح واسعةٍ من خصوم هذه المشاريع في الدول العربية. أما أنصار هذه المشاريع، فكانت قلوبهم وعقولهم معلقةً على نتائج الانتخابات الأخيرة في تركيا ليتنفسوا الصعداء!
فإلى أي حد يمكن لانتصار أردوغان، الجديد أن ينسي عموم الناس قراراته "السلطوية"، والتي خدشت الصورة "النموذج"، وبالتالي، إنعاش حلم بناء نماذج مماثلة في الدول العربية، على الرغم من ضرباتٍ تواجهها، وانتكاسات تعرفها، وفشل يعتريها؟
أنصار الإسلام السياسي في العالم العربي يرون في الانتصار دليلاً آخر على قوة مشروعهم السياسي وصلابته، عندما تواجهه المحن، وأيضاً، معياراً على تجذره في تركيا داخل الأوساط الشعبية التي مازالت تثق في نجاعته. أما خصوم هذا المشروع، فسيقللون من قيمة الانتصار الجديد لأردوغان، على اعتبار أَن النموذج حطّم، وما بقي واقفاً هو الشاهد على أنه كان موجوداً، مثل عكاز، النبي سليمان، الذي ظل يسنده واقفاً، بينما أرضة الأرض تنخره من الداخل، إلى أن خرَّ صريعاً.
وإذا كانت اليوم من "أرضة" تنخر عصا حكم الزعيم التركي، فهي السلطة نفسها التي تغري صاحبها وتغويه. فأكبر خطر على السلطة استمرارها وديمومتها، وهي لا تصيب صاحبها بالترهل فقط، وإنما تعميه عن أَخطائه، وتزيّن له أفعاله، وتراوده عن قناعاته، حتى توقعه في غوايتها، فيقع صريعاً لجموح نزواتها، وجنوح رغباتها. فهل ينجح أردوغان، في إنقاذ نفسه من شباك الغواية التي تنصب له، وحبال النزوات التي ترمى أمامه، وتترصد خطواته؟
اليوم، وبعد ما أصاب صورة "النموذج" من خدوشٍ يصعب ترميمها، ومن يسعى إلى ذلك هو فقط كمن يقف على أطلال، قد يفيده وقوفه للتأمل والعبرة، وفي حالات عاطفية للبكاء عندما يشتد به الحنين. أَما من يسعى إلى الإجهاز على الصورة برمتها، لمحو آثارها، فهو يستبق حكم التاريخ على تجربةٍ، ما زال حبر ريشتها لم ينضب بعد. والماسك الوحيد بهذه الريشة هو أردوغان، الذي سيترك لنا ملامح الصورة النهائية، عندما يجفّ الحبر، وتنضب الريشة.
هناك من قرأ في الفوز عودة الحياة إلى مشروع الإسلام السياسي، بعد الضربات القوية التي تلقاها في مصر، عقب انقلاب 3 يوليو/تموز، وانتكاسة تجربة حزب النهضة في الحكم في تونس. ولا مجال للمقارنة بين تجربتي الحزبين الإسلاميين في تركيا والمغرب، على الرغم من أنهما يحملان الاسم نفسه، العدالة والتنمية، لسبب بسيطٍ، هو أَن أَردوغان يحكم فعلياً في بلاده، فيما زميله في المغرب، رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، مجرد موظف كبير، من دون سلطة حقيقية، في البلاط الملكي.
وقد شكلت تجربة حزب العدالة والتنمية التركي، في العقد الماضي، نموذجاً يضرب به المثل في العالم العربي على مدى قدرة الإسلام السياسي على بلورة مشروع مجتمعي ناجح. كما قدمت التجربة نفسها للغرب مثالاً ناجحاً على إمكانية تعايش الفكر السياسي للإسلام السياسي مع مفاهيم الدولة الغربية الحديثة، والتي يمكن تلخيصها في الديمقراطية والحرية والحداثة والعلمانية.
أَيضاً، اتخذ أنصار النموذج التركي في العالم العربي من نجاح حكم إسلاميي تركيا دليلاً قاطعاً على مبالغة وتهويل كثيريْن، غير مبررين، في صورةٍ كانت تقدمها الأنظمة السلطوية في بلدانهم عن حركاتها الإسلامية، لتخويف الغرب من كل حامل مشروعٍ سياسيٍّ بنكهةٍ دينية. لكن هذه الصورة (النموذج) التي أسسها أردوغان، اهتزت أَخيراً، على وقع الاحتجاجات التي شهدتها تركيا، وأساساً، لردود فعل أردوغان، نفسه على تلك الاحتجاجات.
فقد وجد نفسه مجبراً على اتخاذ قراراتٍ، يصعب تبريرها، أَساءت إلى صورته زعيماً كارزمياً لمشروع سياسي إسلامي، لدى شرائح واسعة في الشارع العربي، من قبيل استعمال العنف والقوة المفرطين في مواجهة متظاهرين معارضين حكمه، وكذلك فضائح الفساد التي انفجرت في وجه حكومته، على خلفية الصراع في بيته الداخلي مع جماعة غولن، والقرارات العشوائية في تقييد حرية التعبير، بإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت. وقبل ذلك، موقفه من الحرب في سوريا، بعدما شوهت أعمال وتصرفات جماعاتٍ، أصبحت توصف إرهابية، ثورة شعبها، ولم تواجهها حكومة أردوغان، بالإدانة والحزم نفسيهما، كما فعلت مع جرائم النظام السوري.
هذه القرارات ذات الطبيعة "السلطوية" أثارت شكوكاً كانت مستترة لدى الغرب، في مدى قناعة أصحاب مشاريع الإسلام السياسي بقواعد الديمقراطية، عندما يصلون إلى الحكم، وغذّت من جديد مخاوف شرائح واسعةٍ من خصوم هذه المشاريع في الدول العربية. أما أنصار هذه المشاريع، فكانت قلوبهم وعقولهم معلقةً على نتائج الانتخابات الأخيرة في تركيا ليتنفسوا الصعداء!
فإلى أي حد يمكن لانتصار أردوغان، الجديد أن ينسي عموم الناس قراراته "السلطوية"، والتي خدشت الصورة "النموذج"، وبالتالي، إنعاش حلم بناء نماذج مماثلة في الدول العربية، على الرغم من ضرباتٍ تواجهها، وانتكاسات تعرفها، وفشل يعتريها؟
أنصار الإسلام السياسي في العالم العربي يرون في الانتصار دليلاً آخر على قوة مشروعهم السياسي وصلابته، عندما تواجهه المحن، وأيضاً، معياراً على تجذره في تركيا داخل الأوساط الشعبية التي مازالت تثق في نجاعته. أما خصوم هذا المشروع، فسيقللون من قيمة الانتصار الجديد لأردوغان، على اعتبار أَن النموذج حطّم، وما بقي واقفاً هو الشاهد على أنه كان موجوداً، مثل عكاز، النبي سليمان، الذي ظل يسنده واقفاً، بينما أرضة الأرض تنخره من الداخل، إلى أن خرَّ صريعاً.
وإذا كانت اليوم من "أرضة" تنخر عصا حكم الزعيم التركي، فهي السلطة نفسها التي تغري صاحبها وتغويه. فأكبر خطر على السلطة استمرارها وديمومتها، وهي لا تصيب صاحبها بالترهل فقط، وإنما تعميه عن أَخطائه، وتزيّن له أفعاله، وتراوده عن قناعاته، حتى توقعه في غوايتها، فيقع صريعاً لجموح نزواتها، وجنوح رغباتها. فهل ينجح أردوغان، في إنقاذ نفسه من شباك الغواية التي تنصب له، وحبال النزوات التي ترمى أمامه، وتترصد خطواته؟
اليوم، وبعد ما أصاب صورة "النموذج" من خدوشٍ يصعب ترميمها، ومن يسعى إلى ذلك هو فقط كمن يقف على أطلال، قد يفيده وقوفه للتأمل والعبرة، وفي حالات عاطفية للبكاء عندما يشتد به الحنين. أَما من يسعى إلى الإجهاز على الصورة برمتها، لمحو آثارها، فهو يستبق حكم التاريخ على تجربةٍ، ما زال حبر ريشتها لم ينضب بعد. والماسك الوحيد بهذه الريشة هو أردوغان، الذي سيترك لنا ملامح الصورة النهائية، عندما يجفّ الحبر، وتنضب الريشة.