تتجه بريطانيا كغيرها من الدول الأوروبية إلى إغلاق سجونها بسبب تراجع أعداد المساجين. وكانت فكرة استثمارها كفنادق، خطوة هامّة جذبت الكثير من الأشخاص، الذين يرغبون عيش أجواء مختلفة عن الفنادق العادية.
ويعتبر فندق مالميزون (Malmaison) في مدينة أوكسفورد، شمالي غرب العاصمة البريطانية لندن، أحد أكثر الأماكن المثيرة للخيال، كونه بني في الأساس ليكون قلعة في عام 1071، خلال فترة حكم وليام الفاتح. بيد أنّ ذلك استمرّ إلى عام 1888، حين تحوّل استخدام هذه القلعة إلى سجن مذّاك وحتى عام 1996.
"التواجد في محيط هذا الفندق، بحد ذاته تجربة فريدة من نوعها"، يقول توماس (40 عاماً)، أحد نزلائه، لـ "العربي الجديد"، ويعبّر عن تميّز المكان، حيث يختبر بين جدرانه القديمة، غرابته بعد أن سكنته طبقات مختلفة من المجتمع، من ملوك وحكّام ومجرمين، وشهد أحداثاً تاريخية هامّة. ويتابع أنّ الغرف تنفرد بهندسة تجمع ما بين الماضي والحاضر، وهي ليست من أكثر الغرف رفاهية لكنّها تمنحه إحساساً بحب استكشاف المزيد من الأسرار التي تسكن في جنباتها.
بنى قلعة أوكسفورد، البارون نورمان روبرت دويلي الأكبر، بين عام 1071 و1073، بعد وصوله إلى إنكلترا مع وليام الأوّل في عام 1066، ومنحه الأخير أراضي شاسعة في مقاطعة أوكسفوردشير. ثمّ ورث روبرت دويلي الأصغر، القلعة في الحرب الأهلية في أربعينيات القرن الثاني عشر. وأعلن دعمه للإمبراطورة ماتيلدا، بعد أن تحوّل عن مساندة ابن عمه الملك ستيفن منافسه للعرش. لكن حين وصلت الأمبراطورة ماتيلدا إلى أوكسفورد في عام 1141، لتضع قاعدتها في القلعة، زحف ستيفن من بريستول في خريف 1142، وهاجم أوكسفورد واستولى على القلعة، محاصراً ماتيلدا في الداخل. والتي استطاعت الهروب من القلعة في ديسمبر/كانون الأوّل من ذلك العام، بمساعدة أربعة فرسان، بينما مات روبرت خلال الأسابيع الأخيرة من الحصار.
وفي فترة حكم الملك هنري الثالث، تحوّل جزء من القلعة إلى سجن، واستبدلت النوافذ المحظورة القديمة بالزجاج الملوّن في عامي 1243 و1246، كونها مطلّة على قصر بومونت إلى الشمال من أوكسفورد.
بعد الحرب الأهلية، خدمت قلعة أوكسفورد كسجن محلي، وعلّقت فيها المشانق، لتنفيذ أحكام الإعدام، ومنها شنق المجرمة ماري بلاندي التي سمّمت والدها في عام 1752.
اشترى القلعة قضاة مقاطعة أوكسفورد في عام 1785، وبدأوا بإعادة بنائها. اقتضى بناء السجن الجديد هدم الكلية القديمة وانتهى العمل في عام 1805. واستمرّ تطوير وتوسيع هذا السجن خلال القرن التاسع عشر، مع تزايد أعداد المساجين، حيث كان بينهم أطفال، أصغرهم سنّاً كانت فتاة في السابعة من العمر، حكم عليها بالسجن سبعة أيّام مع الأشغال الشاقة في عام 1870، بسبب سرقتها عربة طفل.
أغلق السجن في عام 1996، وأعيد افتتاحه كمبان تضم مطعماً ومجمّعاً تراثياً وفندقاً، حيث يوفّر مرشدون سياحيون جولات للتعرّف على القصص الغريبة التي وقعت في هذا المكان التاريخي.
يبدو الفندق مميزاً من الخارج، كما هي الخطوة الأولى إلى الداخل، حيث تحوّلت زنزانات السجناء السابقة إلى غرف للضيوف. أمّا أجزاء السجن حيث كانت تنفّذ العقوبة البدنية أو عقوبة الإعدام وعمليات التعذيب والإرهاب، فأصبحت مكاتب. وأصبحت الغرف والممرّات المظلمة التي كانت تقودنا في السابق إلى أعماق السجن، صالة ألعاب رياضية حديثة.
يسود الاعتقاد أنّ قلعة أوكسفورد، قد تكون واحدة من أكثر المباني المسكونة بالأشباح في بريطانيا، بسبب قتل المئات فيها في عام 1577 في غضون أسابيع، فضلاً عن ماضيها الغامض. بيد أنّ كل ذلك لم يمنع من افتتاح هذا المشروع التراثي متعدّد الاستخدامات رسمياً في 5 مايو/أيار 2006، والفائز بجائزة مشروع ريكس في عام 2007.
كان هذا التحوّل في إغلاق بعض السجون، خطوة تشير إلى تدّني أعداد المساجين في أوروبا وبريطانيا على حد سواء.
بيد أنّ وصول أعداد المساجين في بريطانيا وحدها بين دول أوروبا، إلى مستوى قياسي خلال السنوات العشرين الماضية، يكشف حالة السجون المزدحمة وحالة الناس فيها، وحجم التغيير في نظام العدالة ونطاق الحلول المجتمعية للجريمة... وفق تقرير هيئة إصلاح السجون لعام 2017.
يشير التقرير إلى تراجع عقوبة خدمة المجتمع إلى النصف تقريباً منذ عام 2006، كما يلفت إلى أنّه وفقاً للمكتب الوطني لمراجعة الحسابات، لا توجد علاقة ثابتة بين أرقام السجون ومستويات الجريمة.
وعلى الرّغم من وجود فارق شاسع بين تحويل مقرّات القهر والتعذيب إلى مجرّد ذكرى، وبين الإعلان عن استثمار 1.3 مليار جنيه إسترليني في إصلاح وبناء سجون جديدة، تبقى فكرة إغلاق المزيد من السجون لتصبح محطّات رفاهية يستمتع فيها السائحون، خلاّقة تبعث الأمل في مجتمعات تجد حلولاً بديلة عن حياة خلف القضبان.
اقــرأ أيضاً
ويعتبر فندق مالميزون (Malmaison) في مدينة أوكسفورد، شمالي غرب العاصمة البريطانية لندن، أحد أكثر الأماكن المثيرة للخيال، كونه بني في الأساس ليكون قلعة في عام 1071، خلال فترة حكم وليام الفاتح. بيد أنّ ذلك استمرّ إلى عام 1888، حين تحوّل استخدام هذه القلعة إلى سجن مذّاك وحتى عام 1996.
"التواجد في محيط هذا الفندق، بحد ذاته تجربة فريدة من نوعها"، يقول توماس (40 عاماً)، أحد نزلائه، لـ "العربي الجديد"، ويعبّر عن تميّز المكان، حيث يختبر بين جدرانه القديمة، غرابته بعد أن سكنته طبقات مختلفة من المجتمع، من ملوك وحكّام ومجرمين، وشهد أحداثاً تاريخية هامّة. ويتابع أنّ الغرف تنفرد بهندسة تجمع ما بين الماضي والحاضر، وهي ليست من أكثر الغرف رفاهية لكنّها تمنحه إحساساً بحب استكشاف المزيد من الأسرار التي تسكن في جنباتها.
بنى قلعة أوكسفورد، البارون نورمان روبرت دويلي الأكبر، بين عام 1071 و1073، بعد وصوله إلى إنكلترا مع وليام الأوّل في عام 1066، ومنحه الأخير أراضي شاسعة في مقاطعة أوكسفوردشير. ثمّ ورث روبرت دويلي الأصغر، القلعة في الحرب الأهلية في أربعينيات القرن الثاني عشر. وأعلن دعمه للإمبراطورة ماتيلدا، بعد أن تحوّل عن مساندة ابن عمه الملك ستيفن منافسه للعرش. لكن حين وصلت الأمبراطورة ماتيلدا إلى أوكسفورد في عام 1141، لتضع قاعدتها في القلعة، زحف ستيفن من بريستول في خريف 1142، وهاجم أوكسفورد واستولى على القلعة، محاصراً ماتيلدا في الداخل. والتي استطاعت الهروب من القلعة في ديسمبر/كانون الأوّل من ذلك العام، بمساعدة أربعة فرسان، بينما مات روبرت خلال الأسابيع الأخيرة من الحصار.
وفي فترة حكم الملك هنري الثالث، تحوّل جزء من القلعة إلى سجن، واستبدلت النوافذ المحظورة القديمة بالزجاج الملوّن في عامي 1243 و1246، كونها مطلّة على قصر بومونت إلى الشمال من أوكسفورد.
بعد الحرب الأهلية، خدمت قلعة أوكسفورد كسجن محلي، وعلّقت فيها المشانق، لتنفيذ أحكام الإعدام، ومنها شنق المجرمة ماري بلاندي التي سمّمت والدها في عام 1752.
اشترى القلعة قضاة مقاطعة أوكسفورد في عام 1785، وبدأوا بإعادة بنائها. اقتضى بناء السجن الجديد هدم الكلية القديمة وانتهى العمل في عام 1805. واستمرّ تطوير وتوسيع هذا السجن خلال القرن التاسع عشر، مع تزايد أعداد المساجين، حيث كان بينهم أطفال، أصغرهم سنّاً كانت فتاة في السابعة من العمر، حكم عليها بالسجن سبعة أيّام مع الأشغال الشاقة في عام 1870، بسبب سرقتها عربة طفل.
أغلق السجن في عام 1996، وأعيد افتتاحه كمبان تضم مطعماً ومجمّعاً تراثياً وفندقاً، حيث يوفّر مرشدون سياحيون جولات للتعرّف على القصص الغريبة التي وقعت في هذا المكان التاريخي.
يبدو الفندق مميزاً من الخارج، كما هي الخطوة الأولى إلى الداخل، حيث تحوّلت زنزانات السجناء السابقة إلى غرف للضيوف. أمّا أجزاء السجن حيث كانت تنفّذ العقوبة البدنية أو عقوبة الإعدام وعمليات التعذيب والإرهاب، فأصبحت مكاتب. وأصبحت الغرف والممرّات المظلمة التي كانت تقودنا في السابق إلى أعماق السجن، صالة ألعاب رياضية حديثة.
يسود الاعتقاد أنّ قلعة أوكسفورد، قد تكون واحدة من أكثر المباني المسكونة بالأشباح في بريطانيا، بسبب قتل المئات فيها في عام 1577 في غضون أسابيع، فضلاً عن ماضيها الغامض. بيد أنّ كل ذلك لم يمنع من افتتاح هذا المشروع التراثي متعدّد الاستخدامات رسمياً في 5 مايو/أيار 2006، والفائز بجائزة مشروع ريكس في عام 2007.
كان هذا التحوّل في إغلاق بعض السجون، خطوة تشير إلى تدّني أعداد المساجين في أوروبا وبريطانيا على حد سواء.
بيد أنّ وصول أعداد المساجين في بريطانيا وحدها بين دول أوروبا، إلى مستوى قياسي خلال السنوات العشرين الماضية، يكشف حالة السجون المزدحمة وحالة الناس فيها، وحجم التغيير في نظام العدالة ونطاق الحلول المجتمعية للجريمة... وفق تقرير هيئة إصلاح السجون لعام 2017.
يشير التقرير إلى تراجع عقوبة خدمة المجتمع إلى النصف تقريباً منذ عام 2006، كما يلفت إلى أنّه وفقاً للمكتب الوطني لمراجعة الحسابات، لا توجد علاقة ثابتة بين أرقام السجون ومستويات الجريمة.
وعلى الرّغم من وجود فارق شاسع بين تحويل مقرّات القهر والتعذيب إلى مجرّد ذكرى، وبين الإعلان عن استثمار 1.3 مليار جنيه إسترليني في إصلاح وبناء سجون جديدة، تبقى فكرة إغلاق المزيد من السجون لتصبح محطّات رفاهية يستمتع فيها السائحون، خلاّقة تبعث الأمل في مجتمعات تجد حلولاً بديلة عن حياة خلف القضبان.