02 يونيو 2024
فلسطين 2016: نظرة متفائلة
لم يكن العام المنصرم (2015) أفضل الأعوام للفلسطينيين، إذ تذكر الإحصاءات الصادرة عن معهد الشرق الأوسط للتفاهم أن قرابة 170 فلسطينياً استشهدوا، وقرابة 15377 جرحوا على أيدي الإسرائيليين في أثنائه، وأن حوالى 539 بيتاً أو منشأة تم تدميرها أو تفكيكها في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، بالإضافة إلى حوالى 11000 أمر بهدم مبانٍ ومنشآت في المنطقة المصنفة منطقة (ج) في الضفة الغربية المحتلة. وبحلول شهر ديسمبر/ كانون الأول كان حوالى 6800 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وحوالى 650000 مستعمر صهيوني يهودي يسكنون في الأراضي المحتلة. ولكن، هل سيكون 2016 عاماً أفضل بالنسبة إلى الفلسطينيين؟ هل ثمّة مصادر وبوادر للأمل والتفاؤل في غمرة كل التشاؤم الطاغي والأحداث المتسارعة من حلقات الاشتباك والعنف؟ على الرغم من كل المعطيات السلبية، أحاجج بأن ثمّة ما يدعو إلى الأمل في الأرض المحتلة.
بالطبع، لا توحي نظرة سريعة على تحليلات الخبراء بأي أمل، فالتوقعات والتحليلات تشير إلى احتدام الصراع واستمراره، بل وتصاعد درجات العنف، وأخرى تشير إلى احتمال انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية، وما يتبعها من آثار سلبية على عموم الفلسطينيين، وثالثة تشير إلى تجذر الانقسام والتفتت الفلسطيني في ظل التسابق على خلافة الرئيس، محمود عباس، وفي ظل رفض وفشل حركتي فتح وحماس في إنجاز المصالحة الحقيقية بينهما، إضافة إلى الخلافات الداخلية التي تستمر في تفتيت حركة فتح. أضف إلى ذلك استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي والفشل الأميركي والأوروبي المستمر لوضع حد للاضطهاد والانتهاك المستمر للحقوق. وإن لم تكن كل هذه التوقعات والتحليلات كافية، فإن خبراء ومراقبين يحذرون من أن هذا العام ربما يشهد "وصول" داعش إلى فلسطين، خصوصاً في حال نشوء "فراغ أمني" في حال انهيار السلطة الفلسطينية.
تتصف بعض التوقعات والتحليلات السابقة بالمنطقية، لكن بعضها الآخر، خصوصاً المتأتي من المؤسسات الأمنية والاستخباراتية المحلية والإقليمية والدولية، ليست أكثر من تخمينات وتوقعات، من دون أسس منطقية مدعومة بالقرائن والدلائل، بل إن هذه التوقعات والتحذيرات المدفوعة أمنياً هي إشكالية، وربما خطرة، لأنها تعطي الأولوية القصوى، وربما الحصرية، للهواجس الأمنية الإسرائيلية على حساب الحقوق الأساسية للفلسطينيين. وبالتالي، هي تساهم في إدامة التوجهات والتحولات السلطوية القمعية. ومن ثمّ، تكمن المحاججة، هنا، بضرورة عدم ربط "الفراغ الأمني" المحتمل بظهور داعش، أو نشوء حالة من الفوضى، وإنما بضرورة استغلال هذه اللحظة المواتية لعنونة السؤال الحقيقي المتعلق بالأمن: كيف يتم وضع نهاية فورية للاحتلال العسكري الإسرائيلي؟ ولكن كل الاحتمالات والتنبؤات المذكورة أعلاه تهمّش جوهر الأخبار الطيبة والإيجابية الآتية من فلسطين، وهي أخبار تتمثل في أربعة محاور رئيسية.
أولاً وأكثرها أهمية يتمثل ببداية ظهور جيل جديد ومختلف، يحمل رؤية وأهدافاً وأساليب
مختلفة عن سابقه. وفي الوقت الذي يثور فيه جزء من هذا الجيل في شوارع فلسطين، يقوم الجزء الآخر منه، وإن كان أقل مرئية، بالتفكير في الاستراتيجيات البديلة للنضال الفلسطيني، ويضع خطط العمل لتحقيق هذه الاستراتيجيات على المستويين، المحلي والدولي. بدأ هذا الجيل الفلسطيني الجديد العابر للقارات، رويداً رويداً، يفرز قيادته الفكرية، والتي تشكل رافعة أساسية ومكوناً مهماً في أية عملية تغيير إيجابية. تأخذ هذه القيادة الفكرية الجديدة على عاتقها بمحمل الجد مسؤولية تجديد الفكر السياسي الفلسطيني، الذي توقف عن النمو منذ عقود. وبالتالي، ومن دون أدنى شك، ثمة قيادة جديدة في طور التشكل، وإن كانت العملية تسير ببطء. وتدل المؤشرات على أن هذا الجيل الجديد وقيادته الجديدة سيكونان قادرين على عنونة جذور المعاناة الفلسطينية والانقسام والتفتت والضعف.
لم يعد هذا الجيل الفلسطيني الجديد يحتمل أبداً ديمومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي واستعماره، أو ديمومة القيادة الفلسطينية غير الشرعية وغير الممثلة. فقد ملوّا وتعبوا من الإخفاقات المستمرة، وهذا الجيل الجديد مصمم على التفكير والفعل، بما يجعله أقرب إلى نيل حقوقه. وليس هذا هراءً أو نسجاً من الخيال، وإنْ كان هذا الجيل الفلسطيني الجديد "غير مرئي" لعديدين من المراقبين وصنّاع القرار، فثمة حاجة ملحّة لتغيير العدسات للنظر حولهم بشكل أفضل لرؤية القيادة التي تشكلت في السنوات القليلة الماضية للفلسطينيين في إسرائيل وللمجتمع المدني الفلسطيني، على سبيل المثال.
ثانياً، وعلى الرغم من المحددات المتعددة، فإن "وحدة" القيادة الفلسطينية داخل إسرائيل تُعَدّ مصدراً آخر للتفاؤل والأمل الحذر. "الانقلاب" الانتخابي الذي حصل إبّان الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، في مارس/آذار الماضي، حوّل التخوف من إلغاء الوجود الفلسطيني في السياسة الإسرائيلية إلى فرصة سياسية جديدة. نشوء قيادات جديدة، مثل أيمن عودة، لن تمر من دون عواقب وتبعات على الحقوق الفلسطينية السياسية والمدنية، وعلى ديناميكيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالمجمل، إن وظّفت بحكمة. وقد ذهب مراقبون إلى أبعد من ذلك، وحاججوا أن في وسع الفلسطينيين النظر إلى القيادة الفلسطينية في إسرائيل، بدلاً من الإفراط في محاولات إحياء منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها. بالطبع، توجه كهذا يملك إمكانية تغيير قواعد اللعبة وفرضيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يتمثل المحور الثالث الباعث على الأمل في القيادة الجديدة للمجتمع المدني الفلسطيني، والتي نشأت على مدار العقد الماضي. النجاحات المستمرة لحركة مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها، مثال رئيسي يدلل على ذلك. الدور الهام الذي تلعبه حركة المقاطعة ونجاحاتها المستمرة لم تنشأ فقط بسبب الكيفية التي نشأت بها قياداتها، أو بسبب أهدافها الموحدة الجامعة ومبادئها. ولكن، أيضاً، بسبب امتلاك إحدى أدوات النضال من أجل تقرير المصير، وبسبب وجود قرائن تاريخية، تدلل على فعاليتها بإحراز الحقوق وإحقاق العدالة، وبسبب التحولات المصاحبة لها في الرأي العام الدولي حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ونمو حركة التضامن الدولية، والتي تعمل بناء على أولويات المجتمع المدني الفلسطيني ودعواته، مثال حي وملهم للتعاون الدولي من أجل إحراز الحقوق.
أخيراً، يملك الفلسطينيون اليوم أدوات قانونية أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي، فتبني نهج حقوقي متجانس مع القانون الدولي، ضمن استراتيجية ورؤية فلسطينية أوسع، هو مكون رئيسي لأي برنامج سياسي بديل. وعلى الرغم من صحة الادّعاء بأن هذا البرنامج السياسي البديل غير متوفر بالكامل الآن، إلاّ أنه من غير الصحيح أبداً ادّعاء غياب أصوات سياساتية فلسطينية نقدية بديلة. هذه الأصوات السياساتية، والتي يتم عادة تهميشها، خصوصاً إن كانت مستقلة، هي مكون أساسي آخر لإعادة إيجاد الحركة الوطنية الفلسطينية، لدورهم الحيوي في صنع (وبناء) السياسات في الوطن والمنفى وفي الساحات الدولية. تضع هذه الأصوات السياساتية الجديدة إبداع الفلسطينيين واستمرارهم في المقاومة وصمودهم في جوهر فكرهم وتحليلهم، وهو توجه افتقد عقوداً طويلة. ولهذا "الخيار المنهجي" انعكاساته على المستويين، المنظور والبعيد، وعلى شرعية القيادة المستقبلية وخياراتها وقراراتها الاستراتيجية.
تحقق مصادر الأمل والتفاؤل المناقشة أعلاه، أو جزء منها ربما، يشير إلى عام مختلف للفلسطينيين عن سالفه، بعكس التوقعات السائدة. ولكن السؤال المعلق برسم الإجابة: هل ثمّة أخبار طيبة قادمة من إسرائيل؟
بالطبع، لا توحي نظرة سريعة على تحليلات الخبراء بأي أمل، فالتوقعات والتحليلات تشير إلى احتدام الصراع واستمراره، بل وتصاعد درجات العنف، وأخرى تشير إلى احتمال انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية، وما يتبعها من آثار سلبية على عموم الفلسطينيين، وثالثة تشير إلى تجذر الانقسام والتفتت الفلسطيني في ظل التسابق على خلافة الرئيس، محمود عباس، وفي ظل رفض وفشل حركتي فتح وحماس في إنجاز المصالحة الحقيقية بينهما، إضافة إلى الخلافات الداخلية التي تستمر في تفتيت حركة فتح. أضف إلى ذلك استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي والفشل الأميركي والأوروبي المستمر لوضع حد للاضطهاد والانتهاك المستمر للحقوق. وإن لم تكن كل هذه التوقعات والتحليلات كافية، فإن خبراء ومراقبين يحذرون من أن هذا العام ربما يشهد "وصول" داعش إلى فلسطين، خصوصاً في حال نشوء "فراغ أمني" في حال انهيار السلطة الفلسطينية.
تتصف بعض التوقعات والتحليلات السابقة بالمنطقية، لكن بعضها الآخر، خصوصاً المتأتي من المؤسسات الأمنية والاستخباراتية المحلية والإقليمية والدولية، ليست أكثر من تخمينات وتوقعات، من دون أسس منطقية مدعومة بالقرائن والدلائل، بل إن هذه التوقعات والتحذيرات المدفوعة أمنياً هي إشكالية، وربما خطرة، لأنها تعطي الأولوية القصوى، وربما الحصرية، للهواجس الأمنية الإسرائيلية على حساب الحقوق الأساسية للفلسطينيين. وبالتالي، هي تساهم في إدامة التوجهات والتحولات السلطوية القمعية. ومن ثمّ، تكمن المحاججة، هنا، بضرورة عدم ربط "الفراغ الأمني" المحتمل بظهور داعش، أو نشوء حالة من الفوضى، وإنما بضرورة استغلال هذه اللحظة المواتية لعنونة السؤال الحقيقي المتعلق بالأمن: كيف يتم وضع نهاية فورية للاحتلال العسكري الإسرائيلي؟ ولكن كل الاحتمالات والتنبؤات المذكورة أعلاه تهمّش جوهر الأخبار الطيبة والإيجابية الآتية من فلسطين، وهي أخبار تتمثل في أربعة محاور رئيسية.
أولاً وأكثرها أهمية يتمثل ببداية ظهور جيل جديد ومختلف، يحمل رؤية وأهدافاً وأساليب
لم يعد هذا الجيل الفلسطيني الجديد يحتمل أبداً ديمومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي واستعماره، أو ديمومة القيادة الفلسطينية غير الشرعية وغير الممثلة. فقد ملوّا وتعبوا من الإخفاقات المستمرة، وهذا الجيل الجديد مصمم على التفكير والفعل، بما يجعله أقرب إلى نيل حقوقه. وليس هذا هراءً أو نسجاً من الخيال، وإنْ كان هذا الجيل الفلسطيني الجديد "غير مرئي" لعديدين من المراقبين وصنّاع القرار، فثمة حاجة ملحّة لتغيير العدسات للنظر حولهم بشكل أفضل لرؤية القيادة التي تشكلت في السنوات القليلة الماضية للفلسطينيين في إسرائيل وللمجتمع المدني الفلسطيني، على سبيل المثال.
ثانياً، وعلى الرغم من المحددات المتعددة، فإن "وحدة" القيادة الفلسطينية داخل إسرائيل تُعَدّ مصدراً آخر للتفاؤل والأمل الحذر. "الانقلاب" الانتخابي الذي حصل إبّان الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، في مارس/آذار الماضي، حوّل التخوف من إلغاء الوجود الفلسطيني في السياسة الإسرائيلية إلى فرصة سياسية جديدة. نشوء قيادات جديدة، مثل أيمن عودة، لن تمر من دون عواقب وتبعات على الحقوق الفلسطينية السياسية والمدنية، وعلى ديناميكيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالمجمل، إن وظّفت بحكمة. وقد ذهب مراقبون إلى أبعد من ذلك، وحاججوا أن في وسع الفلسطينيين النظر إلى القيادة الفلسطينية في إسرائيل، بدلاً من الإفراط في محاولات إحياء منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها. بالطبع، توجه كهذا يملك إمكانية تغيير قواعد اللعبة وفرضيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يتمثل المحور الثالث الباعث على الأمل في القيادة الجديدة للمجتمع المدني الفلسطيني، والتي نشأت على مدار العقد الماضي. النجاحات المستمرة لحركة مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها، مثال رئيسي يدلل على ذلك. الدور الهام الذي تلعبه حركة المقاطعة ونجاحاتها المستمرة لم تنشأ فقط بسبب الكيفية التي نشأت بها قياداتها، أو بسبب أهدافها الموحدة الجامعة ومبادئها. ولكن، أيضاً، بسبب امتلاك إحدى أدوات النضال من أجل تقرير المصير، وبسبب وجود قرائن تاريخية، تدلل على فعاليتها بإحراز الحقوق وإحقاق العدالة، وبسبب التحولات المصاحبة لها في الرأي العام الدولي حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ونمو حركة التضامن الدولية، والتي تعمل بناء على أولويات المجتمع المدني الفلسطيني ودعواته، مثال حي وملهم للتعاون الدولي من أجل إحراز الحقوق.
أخيراً، يملك الفلسطينيون اليوم أدوات قانونية أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي، فتبني نهج حقوقي متجانس مع القانون الدولي، ضمن استراتيجية ورؤية فلسطينية أوسع، هو مكون رئيسي لأي برنامج سياسي بديل. وعلى الرغم من صحة الادّعاء بأن هذا البرنامج السياسي البديل غير متوفر بالكامل الآن، إلاّ أنه من غير الصحيح أبداً ادّعاء غياب أصوات سياساتية فلسطينية نقدية بديلة. هذه الأصوات السياساتية، والتي يتم عادة تهميشها، خصوصاً إن كانت مستقلة، هي مكون أساسي آخر لإعادة إيجاد الحركة الوطنية الفلسطينية، لدورهم الحيوي في صنع (وبناء) السياسات في الوطن والمنفى وفي الساحات الدولية. تضع هذه الأصوات السياساتية الجديدة إبداع الفلسطينيين واستمرارهم في المقاومة وصمودهم في جوهر فكرهم وتحليلهم، وهو توجه افتقد عقوداً طويلة. ولهذا "الخيار المنهجي" انعكاساته على المستويين، المنظور والبعيد، وعلى شرعية القيادة المستقبلية وخياراتها وقراراتها الاستراتيجية.
تحقق مصادر الأمل والتفاؤل المناقشة أعلاه، أو جزء منها ربما، يشير إلى عام مختلف للفلسطينيين عن سالفه، بعكس التوقعات السائدة. ولكن السؤال المعلق برسم الإجابة: هل ثمّة أخبار طيبة قادمة من إسرائيل؟