شهد العام الماضي تراجعاً يضاف إلى تراجع سابق ومستمر، لا على صعيد الحريات فحسب، بل في ما يخص الحركة الثقافية نفسها، وإن كان صحيحاً أن المعادلة هي وضع الثقافي شروطه أمام السياسي، فإن المعادلة الفلسطينية لا تختلف كثيراً عنها في دول الجوار العربي، إذ وبحكم عادة ديكتاتوريات المنطقة، يأتي السياسي قبل الثقافي، وهو ما أوقع المؤسسة في خطأ استنساخ الإخوة العرب في أنشطتها وفعالياتها، من دون أن تدرك واجبات حركة التحرر المفترضة، وأنها يفترض أن تمثّل في خطابها (الثقافي على الأقل) شعباً ما زال يخوض معركته ضد الاحتلال.
كان لافتاً عودة الحياة إلى الحراك الثقافي الشبابي خارج الأطر الرسمية المعروفة ودون رعايتها، سواء كان ذلك على صعيد الإنتاج الأدبي، أو على صعيد تشكيل الموقف السياسي، فبرزت حركات المقاطعة الشبابية عبر تعطيلها لأكثر من عرض وأمسيةَ لفعاليات عرف عنها مسبقاً تقديمها عروضاً في "إسرائيل"، مثل العرض الذي كانت تنوي تقديمه فرقة رقص هندية على هامش معرض الكتاب في سينما القصبة في رام الله، أو حملة المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية، التي عادت بقوة أثناء العدوان الأخير على غزة، والتي يحسب نجاحها للحراك الشبابي.
فشلت الثقافة الفلسطينية الرسمية في اجتياز امتحان عام 2014، وهو فشل يعيد فشل العام السابق، الذي يعيد بدوره فشل عامٍ أسبق، ربما حتى نصل إلى الخطيئة الأصلية، ونعني "أوسلو". وبرزت ثقافة أخرى من تحت، قادمة من المخيمات والشوارع الخلفية والقرى والأرياف، ففي اللحظة الفلسطينية الراهنة لا تستمد الثقافة أهميتها من المؤسسة وأنشطتها وفعالياتها، إنما تستمدها من قدرتها على المواجهة وصنع فرق يذكر في الحياة الفلسطينية، فرق كالذي أحدثته حركة المقاطعة أثناء الحرب على غزة، أو كالذي يحدثه شباب القدس وأحياؤها في هذه اللحظة.َ