قد نسمع أحيانًا عن صفقة تبادل أسرى بين قوّات الاحتلال الإسرائيليّة والفلسطينيين؛ لكن ما حدث مؤخرًا لم يكن في الحسبان؛ إنها المرّة الأولى التي يسجّل فيها التاريخ الفلسطيني صفقة " تبادل صحافيين" تم إدخالهم دائرة المعترك السياسي بين حركتي "فتح" و"حماس".
في التاسع من حزيران/ يونيو، اعتقلت الأجهزة الأمنيّة التابعة لحركة "حماس" في قطاع غزّة الصحافي فؤاد جرادة مراسل تلفزيون فلسطين، وبحسب زوجته فإنَّ أفرادًا من الأمن الداخلي للحركة وصلوا إلى المنزل، وطلبوا منه إحضار جهاز الكمبيوتر الخاص به وجواله، وأخبروه أنه سيذهب معهم لساعة من الوقت ثم يعود إلى المنزل.
استمر اعتقال جرادة لدى جهاز أمن غزّة لمدّة 70 يومًا وذلك بتهمة "التخابر مع رام الله"، في مقابل ذلك في التّاسع من أغسطس/ آب الجاري اعتقلت أجهزة الأمن التي تقودها السلطة الفلسطينيًّة في الضفة الغربية سبعة صحافيين وهم ثائر الفاخوري وطارق أبو زيد وعامر أبو عرفة وقتيبة قاسم وإسلام سالم وممدوح حمارنة وأحمد الحلايقة بدعوى "تسريب معلومات إلى جهات معادية".
وكان اعتقالهم إثر قرار لمحاكم في نابلس وبيت لحم والخليل بذريعة العمل مع قنوات ووسائل إعلامية اعتبرتها النيابة العامة محظورة من العمل في الضفّة الغربية، بحجّة أنها تتبع لـ حركة "حماس"، بالاستناد إلى المادة 20 من قانون الجرائم الإلكترونية، والتي تتعلّق بـ "بنشر أخبار من شأنها تعريض سلامة الدولة أو نظامها العام أو أمنها الداخلي أو الخارجي للخطر.
نقابة الصحافيين في رام الله أصدرت بيانًا استنكرت فيه ما حدث للصحافيين، كونهم أصبحوا "كبش فداء" للانقسام وتداعياته، ومجمل التطوّرات السياسية الحاصلة، وإلى تغوّل الأجهزة والجهات الأمنية، التي تغطّي ممارستها النيابة العامة في الضفّة الغربية، والنيابة العامة والنيابة العسكرية في غزّة. ورفضت أن يوضع الصحافيون موضع مقايضة أو تبادل أو مجال مناكفات سياسية وأمنية.
دعت النقابة إثر ذلك وسائل الإعلام والصحافيين إلى مقاطعة كافة الأخبار المتعلقة بالأجهزة والجهات الأمنيَّة في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، والأخبار المتعلقة بالنيابة العامة في الضفّة، والنيابة العامة والنيابة العسكرية في غزّة.
وأوضحت أن جملة التطوّرات التي حصلت تضع الصحافيين كافة أمام تحدٍ كبير، وهو ما يتطلب مزيدًا من الوحدة واللحمة، والابتعاد عن المواقف النمطيّة الناجمة عن سياسات المؤسّسات التي يعملون فيها، أو الجهات السياسية التي ينتمون إليها أو يؤيّدونها، وهو ما يفرض على الصحافيين كافة تنفيذ قرار المقاطعة، وأي قرار لاحق يتعلّق بحماية الصحافيين والدفاع عنهم.
إطلاق سراح الصحافيين جاء بعد جهود حثيثة بذلتها مراكز حقوقيَّة في شطري الوطن للضغط على الجهات المعنيّة، أفرج عن فؤاد جرادة في 14 أغسطس/آب بكفالة ماليّة إلى حين عقد جلسة لمحاكمته لاحقًا بقرار من المحكمة العسكرية التي تديرها "حماس"، كما أفرجت سلطة رام الله عن الصحافيين السبعة المعتقلين لديها بعد ذلك.
بدوره تحدّث مراسل فضائية القدس، ممدوح حمامرة، بعدما أطلق سراحه من سجون الأجهزة الأمنيّة بالضفة، عن ظروف اعتقاله وعدد من الزملاء، قائلا: "تعرّضت للضرب والإهانة، ووضعنا في زنازين ضيقة للغاية، عوملنا كأننا مجرمون حيث كنا نتقدّم للمحاكم مع الجنائيين، كما أن الصورة حول اعتقالنا كانت قاتمة"، مضيفًا أنّ ضابط التحقيق كان يقول لهم أنتم هنا كرهائن للمقايضة مع قطاع غزّة، كما أن وجودكم مرتبط بقانون الجرائم الإلكترونية الذي سوغ الاعتقال وغلفه بغلاف القانون.
في غضون ذلك، استهجن الباحث القانوني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان محمد أبو هاشم ما حدث و قال: "إن ما تعرّض له الصحافيون من عملية تبادل بين غزّة والضفّة الغربية ومعاملتهم كرهائن انتهاك صارخ، وقمع واضح لحقوقهم، يدلّ على غياب جميع المعايير القانونية، وسيطرة العمل تحت عقلية (العصابات) التي بدأت تطفو على السطح". مشيرًا إلى أن اعتقال جرادة وإيقافه أمام النيابة العسكرية غير جائز قانونيًا.
ونبّه الباحث القانوني أن المخاوف لم تنتهِ بعد الإفراج عن الصحافيين؛ بل ستستمر لتصل إلى المساس بالعديد من زملائهم في العمل طالما هناك انقسام سياسي يشكّل عقبة كبيرة أمامهم ومهددًا عملهم الصحافي في ظل عدم وجود ضوابط وقوانين تحميه.
الحادثة أثارت قلقًا كبيرًا بات يسيطر على نشاط الصحافيين في كل من شطري الوطن، فلم يتم تحييدهم بعيدًا عن التجاذبات السياسيَّة، وبيّنت بدورها الصحافيَّة ميرفت صادق مراسلة "الجزيرة نت" أن ما حدث من مقايضة للصحافيين وتبادلهم كرهائن بين شطري الوطن أثار صدمة كبيرة، منذرًا بمدى خطورة الواقع الصحافي في هذه المرحلة.
وحول تأثير ذلك على عملهم كصحافيين، أجابت أنه سيضاعف من عملية تضييق الخناق على حرية الصحافة وتراجعها، وأملت صادق أن لا يتكرّر هذا السيناريو في المراحل المقبلة خصوصًا بعد صدور قانون الجرائم الإلكترونية الذي شرعن قمع الحرّيات الصحافية، ودعت الصحافيين إلى عدم الاستسلام لذلك حتى لا يتمّ تكريس ما حدث كواقع يخضعون له.
ولكن على ما يبدو أن نائب نقيب الصحافيين في قطاع غزة تحسين الأسطل أراد التخفيف من حدّة التوتر لدى الصحافيين، ورفض وضع ما حدث لهم تحت إطار المقايضة، وإنما بمثابة ضغط من النقابة ومؤسّسات المجتمع المدني لإطلاق سراحهم، مشيرًا في حديثه إلى أنه خلال التفاوض مع أجهزة رام الله، ردّوا عليهم بأن في غزّة صحافيين معتقلين "لماذا لم تفرجوا عنهم؟"، وتمت العملية بنجاح.