فلسطين تقاوم.. ماذا عنكم؟

22 يوليو 2014

تحصينات مشتركة لفصائل المقاومة في بيت لاهيا (20يوليو/2014/Getty)

+ الخط -

ليس ثمة أفضل من وجود قطاع غزة تحت إدارة حركة المقاومة الإسلامية، حماس، لكي ينصرف بعض العرب عن مهامهم في الدفاع عن الشعب الفلسطيني أمام البربرية الإسرائيلية. فحماس تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وهؤلاء ينتمون للشيطان. هذا كاف جداً لتجريم المقاومة، وهكذا ينسحب بهدوء كل من قرر أن يقف في الصف المُناهض لوجودها.

غزة ليست حماس، وحماس ليست فلسطين. يبدو أن هذا الكلام عسيرٌ على الفهم، إلى درجة يحتاج فيها منا لترجمته، وذلك لأننا دخلنا مرحلة جديدة، نحتاج، معها، إلى إعادة تلاوة فاتحة المقاومة في فلسطين. إذن، نحن في مرحلة لم تنسنا نكبة 1948 فقط، بل تكاد تنسف ذاكرة نكسة حزيران1967، وفي كل مرحلة يُطلب منا تجاوز ما قبلها، والتعاطي ببرغماتية في التفاوض، بناءً على موازين القوة على الأرض.

اليوم، هناك، أيضاً، من يحاول العبث في محتويات ذاكرتنا القومية، فيختار أن يمارس أمام أعيننا خداعاً بصرياً. لكن، في وضح النهار هذه المرة، وهو يعمل، من خلف هذا كله على مسخ عقولنا، وتمييع قضيتنا التاريخية، مستغلاً حالة الوهن، واليأس، التي أصابت النظام العربي الرسمي، أو ما تبقى منه على قيد الحياة، عبر لعبة قديمة؛ تتمثل في إلقاء اللوم على طرف سياسي، له وزنه في القطاع، وله خصومه في الخارج، هو حركة المقاومة حماس، من أجل التخلي عن الشعب العربي الفلسطيني.

هكذا يختار بعضهم تدبيج روايته بكلام تزويقي، مفاده بأن حركة حماس هي من افتعل الأزمة مع العدو الصهيوني، باختطاف الصهاينة الثلاثة من أجل جر العدو إلى حرب جديدة على غزة، تنفيداً لأجندة تخدم ممولي حماس من خارج فلسطين، وهي، أي حماس، تُقاتل وحدها في غزة، رغماً عن الفلسطينيين، من دون مبالاة بما يحدث من إجرام في حق الشعب، وإن الطفل الفلسطيني ضحية مغامرة حماس. يقال ذلك كله في تجاوز فاضح لستين عاماً من الاحتلال والتنكيل بهذا الشعب العربي، ومن أجل اختزال العدوان الإسرائيلي السافر في صراع بين حماس وإسرائيل، وإخراج باقي العرب منه.

ليس خافياً على كل مهتم بحركات المقاومة، ودورها، ونشاطاتها في قطاع غزة، التمييز بين حركة المقاومة حماس وذراعها العسكرية كتائب القسام، وباقي فصائل المقاومة التي تُقاوم بجانبها، فإدارة حماس القطاع لا تعني بأي شكل أنها الفاعل الوحيد على الأرض، فهناك كثيرون من شركاء النضال المسلح، يقفون مع حماس صفاً واحداً في وجه الاحتلال وعدوانه، وفي مقدمتهم حركة فتح ذات التاريخ الطويل في التفاوض، عبر مشاركة كتائب شهداء الأقصى لواء غزة، والتي أعلنت عن قصفها (نتيفوت) بصاروخ أقصى 103 المطور داخل القطاع، كما سبق لها أن عارضت التهدئة مع إسرائيل في بيان أصدرته عبر صفحتها على الإنترنت.

بالإضافة إلى هذين الفصيلين، هناك كتائب سرايا القدس، التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، والتي أعلنت مسؤوليتها عن قصف مطار بن غوريون بصاروخين من طراز براق 70. هي كذلك أعلنت رفض التهدئة "ما لم يرضخ لشروط المقاومة، وإنها على استعداد لخوض معركة طويلة لن يتوقعها العدو". أما كتائب الشهيد أبو علي مصطفى فأعلنت على موقعها على الإنترنت عن إطلاق 190 صاروخاً على إسرائيل، منذ بداية العدوان على غزة، حتى كتابة هذه السطور.

يتضح مما سبق بطلان الرواية المبنية على اتهام حماس بافتعال الحرب، وأنها اختارت المقاومة المسلحة وحدها، رغماً عن الشعب الفلسطيني، ومن دون تأييد من بقية الفصائل الفلسطينية المسلحة، بل أكثر من ذلك، فقد اندلعت مظاهرات في الضفة الغربية، والقدس المحتلة، وفي مدن 48، رفضاً للعدوان على غزة، ودعماً لخيار المقاومة الذي أثبت نجاعته، وتطور إمكاناته بشكل لا لبس فيه في ردع العدو في السنوات الأخيرة، بما يعني أننا أمام انبعاث حالة نضالية شاملة في أرض فلسطين.


وتكمن خطورة هذا الخطاب الاتهامي والانهزامي في أنه محشو بالمكر. فهو يُظهر عكس ما يُبطن. ظاهره حرص على الشعب الفلسطيني، وباطنه، مطالبته بالاستسلام لمنطق القوة النارية والتدميرية التي تتفوق فيها إسرائيل على حركات المقاومة، لكن هؤلاء يجهلون حقيقة أن المقاومة لا يمكن أن تنتصر انتصاراً داحراً للاحتلال بمفردها، من دون مساعدة بقية العرب، ووظيفتها الحالية تتمحور في منع العدو من تحقيق مشروعه الاستيطاني التوسعي، وإعلان الانتصار النهائي على الشعب الفلسطيني، وعلى من يرغب في رؤية نصر مؤزر للمقاومة على العدو؛ أن يُطالب بتسليح فصائل المقاومة بالأسلحة "النوعية"، بدلاً من مطالبتها بالاستسلام لشروط العدو.

إن سؤال من يقاوم في غزة ليس سؤالاً استيضاحياً، بقدر ما هو سؤال اتهامي؛ يراد منه قذف الاتهام لحماس، وتحميلها مسؤولية القتل والتدمير الذي يقوم به الاحتلال، وكأن فلسطين تعيش في ظروف طبيعية. حماس لا تقاوم وحدها في غزة، لكن السائل، هنا، يرغب بالتملص من واجبه في دعم قضية عادلة، بوضع المزيد من الضغط النفسي، والسياسي، على حماس، وهي في حالة حرب. الحاصل، الآن، أن فلسطين كلها تقاوم، وبدورنا نسأل هؤلاء، ماذا عنكم؟

59C609B9-D3BD-480F-B605-2AC47CF69F0B
محمد الصادق

كاتب سعودي، مؤلف كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"