ما أن تنتهي من تناول قهوتها، حتى تسارع إلى التقاط الفرشاة، وتبدأ الرسم ببقايا القهوة التي تعشقها لوناً وطعماً ورائحة.
تتذكر سلوى السباخي ( 24 عاما) بدايتها الأولى مع هواية الرسم في عمر السابعة، بعدما اكتشفت أختها الكبرى سامية موهبتها، فدفعتها إلى المشاركة بمسابقات داخل المدرسة. وتقر السباخي بالفضل لأسرتها، وتقول إنه لولا تشجيعها لها منذ البداية لما استطاعت مواصلة مشوارها الفني "فقد آمن والدي وكل أفراد أسرتي بموهبتي وشجعوني على الاستمرار وتطوير قدراتي".
داخل غرفتها الصغيرة في منزلها بمخيم رفح للاجئين الفلسطينيين أقصى جنوب قطاع غزة، بزغ نجم حالة فنية لافتة. هناك تتزاحم اللوحات التي تعبّر عن الفتاة التي اختارت أن تكون غير تقليدية في موهبتها.
عن بداية الرسم بالقهوة تقول السباخي: "أشرب القهوة بكثرة، وبالصدفة أثناء وجود فنجان القهوة أمامي، سقطت الفرشاة داخله، وبينما كنت أنظف الفرشاة على ورق الرسم تنبهت إلى أن رسوماً جميلة يمكن أن تخرج".
تقول: "أعجبني لون بقايا القهوة الأسود على الورق الأبيض، ما دفعني إلى المتابعة. وبعد عدة محاولات وصلت إلى لوحات مميزة، لاقت استحسان الكثير من عشاق الرسم والفنون التشكيلية. ووكانت فرصة لإيجاد بديل مناسب عن ألوان الرسم التقليدية باهظة الثمن في قطاع غزة المحاصر".
تسعى السباخي إلى استخدام أدوات غير تقليدية في الرسم، لذا فهي تطمح إلى استخدام مواد أخرى غير القهوة، حسب ما تفيد، موضحة أن "الرسم إبداع والإبداع يحتاج إلى أفكار جديدة دائما". تهوى الرسم بكل أنواعه، وتحديداً التجريدي المعبر عن الواقع والمواقف المختلفة برموز معينة. ساعدتها دراستها في كلية الفنون الجميلة، في جامعة الأقصى بمدينة غزة على احتراف الرسم مهنةً.
لا تقيّد نفسها بشكل أو موضوع فني واحد، وتعمل على تطوير نفسها في أشكال ومجالات فنية عدة، والتعبير عن قضايا شخصية وعامة. ترسم عن فلسطين، ولها لوحات تعبر عن واقع بات يضيق يومياً على السكان داخل غزة. تصف ذلك قائلة: "أعطي الأولوية في عملي لتغيير صورة غزة في أذهان العالم من أنها مساحة للعنف والموت. تحمل غزة روحاً مليئة بالفن والحياة".
وللمرأة في غزة المساحة الأكبر في لوحاتها، وتسعى إلى تجسيد قضاياها في رسومها. تدعو السباخي الفتيات إلى عدم الاستخفاف بقدراتهن مهما كانت الظروف. وما زالت تشعر بأنها بحاجة إلى المزيد من التعلم، مؤكدة أن "غزة تعج بالمواهب المبدعة ولكنها بحاجة إلى من يأخذ بيدها ويساعدها في تمويل إبداعاتها وإبرازها".
تشتكي، كغيرها من الفنانين من عدم الاهتمام، سواء مادياً أو معنوياً، من المستويات الرسمية والأهلية على حد سواء، موضحة أنها باتت واحدة من المهمشين في مهنة مُكْلِفة مادياً بكل تفاصيلها، وتمثّل عبئاً كبيراً على الفنان في ظل الوضع المادي المتردي الذي يعيشه سكان قطاع غزة هذه الأيام.
شاركت في معارض فنية جماعية مع فنانين فلسطينيين، كما فازت أخيراً بالمركز الأول في مسابقة محلية، عن موضوع فني يتعلق بحق المرأة بالميراث.
تحلم السباخي بتنظيم معرض فني خاص، لكنها ما زالت تبحث عن راعٍ له وتطمح إلى مواصلة طريقها في الفن التشكيلي لإيصال رسائلها إلى العالم، وإبراز القضية الفلسطينية عبر رسومها سواء بالقهوة أو بغيرها.