فلاح ساذج وإنتاج وفير!

01 مايو 2017
+ الخط -

اكتسب المهندس عدنان معلومات جديدة حيال اتباعه الدورة التدريبية التي واظب عليها، بالإضافة إلى عدد من الفلاحين، عن طريق تدريس طرق الري الحديثة التي دخلت المدينة الصغيرة التي يقيم فيها منذ أشهر، وهو الذي درس في كلية الهندسة الميكانيكية في إحدى الجامعات التي تتبع المدن الكبيرة المعروفة بسمعتها وبإمكاناتها، ونال شهادتها الجامعية، وعن جدارة.

 لم تدم فترة الدورة التدريبية، التي أتقن المهندس عدنان ما تضمّنته محاضراتها، أكثر من أسبوعين، وهو الملم بالمبادئ العامة بها، بينما الفلاح عبد الرحمن، خرج بخفي حنين، لم يعِ ألف باء الدورة، والتي قضى جلّ أيامها في اللهو وضياع الوقت بدون مبرر... وأراد عبد الرحمن، في نهاية الدورة، أن يمتحن المهندس عدنان حول ما سبق أن تعلّمه منها، وهل استطاع الخروج بفائدةٍ ما، ترضي المسؤولين عنه؟

المعلومات التي اكتسبها المهندس عدنان، بالتأكيد، كانت غنية ومكثفّة. تعلّم منها أشياء مفيدة يمكنها أن تنعكس على أرضه بزيادة غلّتها، ويفيد بذلك الفلاحين الذين يشغلون مساحات كبيرة من الأراضي التي يقومون بفلاحتها، كما يمكن أن يستفيد منها مستثمرو الأراضي والملاّك، أصحابها، بوفرة في غلّة الإنتاج في الموسم الحالي والذي بات على الأبواب. أما الفلاح عبد الرحمن فلم يستفد مما أعطي له من معلومات، لأنه لم يعرها أي انتباه، ولم يأخذها على محمَلَ الجَد!

لم يعجب هذا الحديث الفلاح عبد الرحمن، بل زاده امتعاضاً... وقال بينه وبين نفسه، وما الفائدة من اتباع أمثال هذه الدورات التدريبية، ما هي إلا مضيعة للوقت! وإن ما لديه من خبرة تكفي أن يتغلب على أي مشكلة يمكنها أن تقف حجرة عثرة في طريق عمله في الأرض التي يقوم بفلاحتها.

حاول عبد الرحمن أن يُشرك المهندس عدنان في حديث جانبي، عسى أن يستفيد من خبرته الواسعة في الزراعة، وهو المطّلع على كل صغيرة وكبيرة في هذا المجال، والسبب هو حبّه المطلق لعمله، ومواظبته عليه، وتكريس وقته للفائدة والتعلّم من كل ما هو جديد في عالم الزراعة، سيما أنه ملاّك أباً عن جد، ويملك مئات الدونمات من الأراضي الزراعية المروية التي تروى بالراحة.

تطلّع المهندس عدنان إلى الفلاح عبد الرحمن، وهو يحاوره، محاولاً تبرير بعض ما يمكن أن يتصوره من خدع، أرادها أن تكون هي محور ما يمكن أن يحول بينه وبين المهندس عدنان العارف بكل شيء، وهذا بلا شك لا يمكن أن يلغي بصماته ومعرفته بشؤون الزراعة وأصولها، ومبينا في الوقت نفسه بعض التحذيرات التي من الممكن أن تساعده في تجاوز بعض الهنّات التي فتحت أمامه باباً يجهله العديد من المزارعين أنفسهم، من أهل الخبرة، فكيف بالفلاحين الذين يحتاجون إلى معلومات دقيقة تسهّل عملهم، والكثير من الصور التي يمكنها أن ترسم طريقاً يفتح أمامهم باباً جديداً، يلوّن حياتهم ويبشرهم بآفاق جديدة.

وبعد أن أبدى المعلم عدنان بعض المشورة بخصوص ما تعلّمه من الدروس التي اتبعها في الدورة التدريبية، إلا أنّه فاته أن يسأل القائمين عليها عن بعض الأسئلة التي راودته، في حينها، ولكن انتابه النسيان ولم يخطر بباله خاطر ما من أن يكون لهذه الأسئلة الفائدة المرجوة منها.

ركب المهندس عدنان سيارته البك أب الصغيرة، والتي عادةً ما يستعملها في نقل لوازم الزراعة وما تحتاجه أرضه من بذار وسماد، وبعض ما يتبقى من حصاد الموسم الذي يقوم بنقله إلى فناء داره الواسعة، وتوجه بها نحو مركز المدينة التي تبعد عن مسكنه حوالي اثنين وثلاثين كيلومتراً، وهناك ذهب إلى مركز التدريب الذي أنهى به دورته التدريبية التي استمرت لمدة أسبوعين، ولفترتين صباحية ومسائية، وأشرف عليها أساتذة وخبراء في الزراعة، والتقى بالسيد وليد، المسؤول المباشر عن المركز التدريبي.

وفي مكتب المسؤول عن المركز التقى المهندس عدنان بعدد من الفلاحين الذين جاؤوا، وفي نيتهم طرح عددٍ من الأسئلة التي فاتهم أن يفهموا ما المقصود منها، ولماذا طرحت بالأصل؟ وكان من بين الحضور، عبد الرحمن، الذين فاتته معرفة بعض الأسئلة التي ظلّت عالقة في ذاكرته، وجاء مع لفيف من الفلاحين للاستفسار عنها، والإجابة عن الكثير غيرها، لأنها أسئلة هامة، وتحتاج إلى أهل المشورة والرأي.

ومن بين الحضور الذي لفت نظر الفلاح عبد الرحمن، المهندس عدنان، وهو رجل الخبرة، وله باع طويل في الزراعة ومعرفة خفاياها... وبعد أن انتهى الاجتماع، الذي دعوا إليه لمعرفة ما إذا كان هناك أي تساؤل أو استفسار جديد يمكن أن يقف على معضلة ما، أو سؤال غامض بحاجة إلى تفنيد، والإجابة عنه ليسهل للأخوة الحضور الانتفاع به، وخاصة أنهم مقبلون على موسم زراعي لا يفصلهم عنه إلا أيام معدودة.

حاول عبد الرحمن، وهو الفلاح المتمكن من كل صغيرة وكبيرة في الأمور الزراعية، من أن يخفي ما لديه، مفنداً ذلك بمعرفته بالأجوبة التي تناقلها الأخوة الفلاحون الذين حضروا اللقاء الفلاحي الذي سبق الموسم الزراعي، والذي ينتظرون قدومه بحماس ورغبة شديدة.

توقف المهندس عدنان، وبرغم ما لديه من خبرة واسعة، وبكل تواضع أمام الفلاح عبد الرحمن، وتمكن من أن يجيبه عن بعض ما لديه من أسئلة محيّرة. فوجئ المهندس عدنان بالإجابة عنها، ولم يكن يخطر بالبال أن الفلاح عبد الرحمن لديه المقدرة على حلّها، وأنها طوع أمره، وبإمكانه أن يؤثر على الفلاحين الذين قدموا مركز التدريب للاستئناس بالإجابة عن الأسئلة المعلقة التي ظلّت بحاجة إلى إجابات حاسمة.

وقف المهنس عدنان مندهشاً، أمام إجابات الفلاح عبد الرحمن، وخبرته وحبه لعمله الزراعي، الذي يجهله الكثيرون من الأخوة الفلاحين، ولكن نتيجة اهتمامه، وقراءاته المستمرة عن كيفية تهيئة الأرض، بصورةٍ صحيحة ورعايتها وحمايتها من الأوبئة والإصابات الحشرية، وهو الذي لم يتجاوز تعليمه الصفوف الدراسية الأولى، بسبب الفقر المدقع الذي يعاني منه، ما دفع به إلى ترك المدرسة والالتفات إلى خدمة الأرض، فيمتلك خبرةً كافية تفوق خبرة الدارسين في الكليات العلمية.

وهذه الخبرة، زادت من إنتاج أرضه عاماً بعد آخر، وحينها شعر المهندس عدنان أن العلم وحده غير كاف، ولكن هناك مقوّمات أخرى يجب علينا اتباعها، وأهمها الطرق السليمة للحيلولة دون الوقوع في أخطاء قد تكون قاتلة، ما يعني زيادة غلة الإنتاج ووفرته، في ظل آلية المتابعة الحثيثة، وتطور العلم، والوقوف عند كل ما من شأنه أن يخدم الأرض، واستغلال خيراتها، وإن كان من يقوم بها فلاح ساذج، وإنما تواضعه وحبّه لها جعلا منه مثالاً يُحتذى في الانضباط والاجتهاد، فأثمرت إنتاجاً وفيراً وغلة، ما زال يذكرها وإلى اليوم، كل من عرفه.

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.