فقراء مصر يستغنون عن اللحوم في رمضان

08 يوليو 2015
الفقر يحرم المصريين من المأكولات الخاصة برمضان (الأناضول)
+ الخط -
في سوق "روض الفرج" تقف السيدة الأربعينية أم حسين تائهة. تنظر إلى حافظة النقود التي في يدها. وعند سؤالها عن سبب تلك الحيرة تؤكد أن الأموال التي لديها لا تكفي لإعداد مائدة رمضانية واحدة. تسرد أم حسين مكوّنات تلك المائدة التي اعتاد عليها المصريون في أول أيام شهر رمضان. وتقول "يجب أن أشتري لحمة أو فراخاً (دجاجاً) ومحشياً"، وبحسبة بسيطة، تكتشف السيدة أن تلك المائدة لن يقل ثمنها عن 150 جنيهاً (19 دولاراً). فهي صاحبة أسرة تتكون من خمسة أفراد لن يكفيها أقل من كيلو لحمة أي ما يقرب من 70-80 جنيهاً. ويكون نصيب كل فرد شريحة واحدة.

وتستطرد أم حسين قائلة "أقوم بشراء خضر وأرز للمحشي لن يقل ثمنها عن 50 جنيهاً، وقليل من الكنافة بسعر 10 جنيهات، بالإضافة إلى عصائر بسعر 10 جنيهات. ما يعني أن المجموع لا يقل عن 150 جنيهاً لوجبه واحدة لخمسة أفراد. تتساءل: "كيف يمكن أن أنفق مبلغاً كهذا في حين أن راتب زوجي يصل إلى 800 جنيه شهرياً فقط؟".

تختلف طموحات هند عن أم حسين. فتقول "لا أشتري اللحوم بكافة أنواعها، لذا أستبدلها بمعجنات مثل البيتزا أو البطاطس وأحياناً قليلة أستخدم اللحم المفروم المستورد". توضح هند أنها لا تعلم جيداً مصدر تلك اللحوم المفرومة، ولكن كل ما تعلمه أن تلك اللحوم المفرومة والمستوردة يمكنها أن توفر وجبة جيدة لأبنائها وزوجها في رمضان. وبالرغم من ذلك فإن تكاليف الوجبة لا تقل عن 80 جنيهاً، حيث يصل سعر اللحم المستورد إلى 55 جنيهاً.
تقول أستاذة الاقتصاد في كلية التجارة جامعة عين شمس، هبة لمعي، إن شهر رمضان تحول لدى المصريين من شهر الروحانيات إلى شهر الإنفاق. وتدلل على حديثها بتقرير صادر من وحدة معلومات الإيكونوميست، يؤكد أن المصريين استهلكوا طعاماً بقيمة ‏45 ‏مليار دولار في عام ‏2009، وينفق المصريون 47%‏ من مجمل إنفاقهم على الطعام مقارنة بـ‏32%‏ في الصين و‏15%‏ في الكويت و‏14%‏ في الإمارات العربية و‏26%‏ في السعودية. في حين أن هذه النسبة تنخفض إلى ‏12%‏ في المملكة المتحدة و‏9%‏ فقط في الولايات المتحدة.
ويوضح التقرير أن أكثر عناصر الطعام التي ارتفع الطلب عليها في منطقة الشرق الأوسط بين يناير/كانون الأول ‏2006‏ ويناير/ كانون الأول ‏2010‏ هي السكر والزيت تليها منتجات الألبان. ويؤكد أن تلك النسب تتضاعف في شهر رمضان، وهو ما يجسد كارثة بالمعنى الحرفي للكلمة.

اقرأ أيضا: المبادرات الخيرية تُسعد بيوت فقراء مصر

وتشير لمعي إلى أنه لا يمكن ربط إنفاق الفقراء بالحد الأدنى للأجور، لأن أغلبهم لديه مصادر دخل إضافية، كما أن شريحة كبيرة منهم تعمل في الأعمال الحرة، وهو ما يوفر مبالغ مالية إضافية.

تشير دراسة صادرة عن البنك الدولي أنه في الأسبوع الأول من شهر رمضان يأكل المصريون نحو ‏2.7‏ مليار رغيف‏‏ و‏10‏ آلاف طن فول‏‏ و‏40‏ مليون دجاجة. وذكرت الدراسة أن ‏83% من المصريين يغيرون عاداتهم الغذائية خلال هذا الشهر، حيث يرتفع استهلاك الحلوى بنسبة ‏66.5%، بينما يتزايد استهلاك اللحوم والطيور بنحو ‏63%، والمكسرات بنسبة ‏25%، نتيجة تبادل الزيارات والولائم، والتي تزيد بنسبة‏ 23% مقارنة ببقية أشهر العام.

اقرأ أيضا: الفقر "أُمُّ الأزمات" في مصر ولو بعد عشر سنوات

يؤكد الباحث في مرصد الموازنة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، محمود علي، أن التقارير والدراسات التي تصدر عن بعض الجهات الرسمية تعبر عن جزء من الواقع وليس الواقع كله. فهي ترصد الاستهلاك العام للأسر المصرية في رمضان، ولكنها لا ترصد إلى أي طبقة اجتماعية تنتمي. ويؤكد أن الفقراء في مصر خلال شهر رمضان يعتمدون بصورة أساسية على "المحشي" وقليل من اللحوم؛ لأن تلك النوعية من الأطعمة تكفي لعدد كبير من الصائمين. في حين ينفق الأغنياء على موائد وولائم رمضان ما ينفقه الفقراء في عشرات السنوات. ويقول إن أقصى كلفة لمائدة الفقراء في رمضان لا تتجاوز الـ 200 جنيه ولا تتكرر سوى مرة أو مرتين خلال شهر رمضان. يضيف "تركت الدولة الأسواق فريسة سهلة للتجار وللجشع، فمثلاً لا يمكن أن نتصور في دولة تدعي الدفاع عن العدالة الاجتماعية، أن يصل سعر كيلو الدجاج إلى 30 جنيهاً واللحوم إلى 80 جنيهاً".
المساهمون