فقدان أدوية من أسواق لبنان يثير المخاوف

21 يونيو 2020
هل تطول الأزمة؟ (حسين بيضون)
+ الخط -

يُعَدّ الدواء بالنسبة إلى كثيرين أهمّ من الغذاء، وفقدانه أخطر من فقدان الخبز بالنسبة إلى من يحتاجه ومن تتوقف حياته على تناوله. واليوم، تُضاف أزمة فقدان بعض الأدوية من أسواق لبنان إلى أخرى كثيرة.

تتوالى الأزمات في لبنان، ويتخوّف كثيرون في الفترة الأخيرة من فقدان بعض الأدوية من الصيدليات نتيجة الأزمة المترابطة مالياً وصحياً. فشحّ الدولار الأميركي، وفوضى أسعار صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، ينعكسان على القطاع الصحي، كما على قطاعات أخرى. ويعبّر لبنانيون عن قلقهم من عدم توافر أدوية يجب عليهم تناولها بانتظام، وقد راح بعض منهم يسأل عن طرق لشرائها من الخارج، ولا سيّما مع اقتراب موعد إعادة فتح مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت في بداية يوليو/ تموز المقبل، بعد إغلاقه على خلفية أزمة كورونا. وانطلاقاً من خشيتهم من عدم بيعها من جديد في لبنان أو رفع أسعارها كحلّ للأزمة، رفع مواطنون الصوت عالياً من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجّهوا رسائل إلى المعنيين تشير إلى الشحّ الحاصل، وتشدد على ضرورة التحرّك فوراً لإنقاذ الذين يواجهون خطر الموت إذا لم يحصلوا على جرعاتهم من الأدوية.

يقول الصيدلاني علاء الرحباني لـ"العربي الجديد" إنّ "الأدوية المفقودة في لبنان تخصّ بمعظمها أمراض القلب وتلك المدرّة للبول، وهي أدوية لا يمكن التأخر في الحصول عليها أو تتطلّب الانتظام. كذلك ثمّة أدوية لمعالجة ارتفاع ضغط الدم، وأدوية للصرع، وأخرى للغدد، ولا سيّما الدرقية، أبرزها، إلى جانب أخرى". ويشير الرحباني الى أنّ "السبب وراء فقدان الأدوية مرتبط بعاملَين: الأوّل ارتفاع سعر صرف الدولار وما نجم عنه من عجز عن استيراد الأدوية، والعامل الثاني متعلق وفق ما يُثار بغايات تجارية، إذ يُصار إلى بيع تلك الأدوية لدول أخرى لكسب المال على حساب صحة المواطن اللبناني وحرمانه العلاج".

وهذا الأمر تطرّق إليه رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي، قبل أيام، في خلال ترؤسه جلسة بحضور أعضاء اللجنة وممثل عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ناقشت البنود الواردة في جدول الأعمال. وقال: "ثمّة موضوع طارئ يتعلّق بفقدان الأدوية من السوق اللبنانية، لا سيّما أدوية القلب والتي لم تُفقد بسبب غلائها، فهذه الأدوية رخيصة جداً". وأضاف عراجي أنّ "الخوف هو من كون الدواء يصل إلى لبنان بسعر الصرف الرسمي، أي 1517 ليرة لبنانية (للدولار الأميركي الواحد) والخوف من أن تكون هذه الأدوية تعود وتصدّر إلى الخارج، وهذا ما أسمعه، بأسعار أغلى، وهو أمر غير مقبول. ونحن نشجّع الصناعة الوطنية، لأنّنا نوفّر بالتالي الدولار، وتزيد أعداد الصيادلة للعمل في بعض معامل هذه الأدوية. ونعلم أنّ موضوع دعم الدواء لن يستمرّ لفترة طويلة. وأتمنّى على نقابة مستوردي الأدوية ومصنّعي الدواء إعلامنا إذا كانوا يملكون معلومات عن مستودعات الدواء التي تصدّر إلى الخارج، ونحن سنلاحق هذا الموضوع. وفي الأسبوع المقبل، لدينا موعد مع وزير الصحة العامة (حمد حسن) ونحذّر من الموضوع ولن نسكت عن أيّ تقصير".



من جهته، يوضح نقيب الصيادلة غسان الأمين لـ"العربي الجديد" أنّ "أسباباً كثيرة تقف وراء فقدان الدواء من الأسواق، منها ما هو مرتبط بالنظام الذي وضعه البنك المركزي في لبنان، إذ يجب على المستورد أن يقدّم طلباً للمصرف الذي يتعامل معه للحصول على الدولارات، على أن يتواصل الأخير مع مصرف لبنان الذي يرسل إليه الموافقة حتى يتمكّن الوكيل من الاستيراد. ومن شأن هذه الإجراءات الإدارية أن تؤخّر عملية الاستيراد شهرَين أو أكثر، الأمر الذي يؤدّي بدوره إلى فقدان الدواء. وذلك مع العلم أنّ هذا النظام يغطّي 85 في المائة من الفاتورة بحسب سعر الصرف الرسمي، فيما يشتري الوكيل المبلغ الباقي (15 في المائة) بسعر السوق السوداء المرتفع جداً. وهذا يشكّل كذلك عبئاً كبيراً أوصل القطاع إلى ما هو عليه اليوم".

يضيف الأمين أنّ "ثمّة أسباباً أخرى، من قبيل أنّ الفاتورة الدوائية تشمل بنسبة 80 في المائة أدوية ذات علامة تجارية، وهذه السياسة خاطئة جداً، إذ يجب الاعتماد كذلك على الأدوية الجنيسة، أي تلك التي تقوم على التركيبة نفسها والمفاعيل نفسها وبسعر أقلّ، مثلما يحصل في دول العالم التي تعمد إلى النوعَين مع تجهيز مختبر مركزي لتحليل الأدوية الجنيسة والتأكّد من أنّ مفاعيلها هي نفسها، خصوصاً أنّها بسعر أرخص، وكثر من اللبنانيين مصابون بأمراض تحتاج إلى أدوية بشكل منتظم ولا يملكون المال الكافي لشراء الأدوية ذات العلامات التجارية. وهؤلاء يستطيعون الاستفادة من الأدوية الجنيسة. وهو ما يحتّم كذلك تغيير قانون الوصفة الطبية التي لا تتيح للصيدلي وصف دواء بديل من ذلك المدوّن من قبل الطبيب". ويؤكد الأمين أنّ "الأدوية الجنيسة ضرورية كذلك في الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان والتي أدّت إلى فقدان بعض أنواع الأدوية، بالإضافة إلى أنّ المصانع في الخارج تتعامل مع لبنان بفتور، ولا تعدّه أولوية، ولا سيّما بعدما انخفضت أسعار الأدوية في البلاد بطريقة عشوائية وسريعة، ولم يعد بالإمكان شراء أخرى".

ويلفت الأمين إلى أنّ "الصيادلة تعرّضوا لظلم كبير من جرّاء انخفاض سعر الأدوية، فالصيدلي لا يستورد ولا يسعّر الدواء من تلقاء نفسه، بل يلتزم تسعيرة الدولة ووزارة الصحة العامة، وبالتالي لا يملك هامش ربح. وطريقة خفض الأسعار عشوائياً وبشكل سريعٍ جعلته يصرف من مخزونه وأرباحه، ولم يعد يشتري الأدوية بكميات كبيرة، وهذا ما سبّب كذلك الفقدان الذي نعيش أزمته اليوم". ويشدّد الأمين على أنّ "التواصل قائم كنقابة صيادلة مع وزير الصحة العامة حمد حسن، لإيجاد الآلية الأنسب للاستيراد مع حاكم مصرف لبنان، إذ إنّ الدواء ضروري للحؤول دون تدهور حالة المريض الصحية، وربّما وفاته. من هنا، لا بدّ من تسريع الإجراءات الإدارية لشراء الأدوية المستوردة وتفادي انعكاسات التأخير السلبية".



وأزمة فقدان الأدوية ليست الوحيدة التي تواجه لبنان في الشق الصحي، فثمّة أزمة خطيرة تمثلت بتوقّف الشركات المستوردة للأوكسجين والبنج عن تزويد المستشفيات بهذه المنتجات إلا في حال الدفع نقداً بالدولار الأميركي، وهو ما يعدّه نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون "أمراً مستحيلاً في ظلّ أزمة الدولار وارتفاع سعر الصرف". ويقول هارون لـ"العربي الجديد" إنّ "التواصل حصل مع مصرف لبنان، وقد سلكت الأزمة مسارها نحو الحلّ، إذ كانت مواد البنج والأوكسجين وغيرها مدرجة في إطار الصناعة، لا الأدوية التي يؤمّن البنك المركزي اعتمادات لها بالعملة الخضراء، لذلك سيتدخّل من أجل تأمين شرائها".
المساهمون