لم يفلح توعد النقابات الحكومة بالإضراب العام وقرار المخابز بالزيادة في أسعار الخبز وارتفاع أسعار العديد من المنتجات الأساسية، في خطف الأضواء مما أضحى يعرف لدى الرأي العام المغربي بفضيحة "باديس" الواقعة بمدينة الحسيمة.
ويعود أصل الحكاية إلى أغسطس/آب الماضي، عندما رفع مواطنون مغاربة تظلماً إلى الملك، محمد السادس، حول مخالفات في بناء مساكن اشتروها من الشركة العقارية العامة، التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، الذي يعتبر أهم مؤسسة مملوكة للدولة والذراع المالية التي تساهم في تنفيذ العديد من المشاريع الاستراتيجية.
وكان الملك قد أمر بفتح تحقيق في شكاوى المواطنين الذين ادّعوا تعرضهم للغش والتدليس من قبل الشركة العقارية العامة، المدرجة في بورصة الدار البيضاء، في نحو 196 مسكناً اشتروها في مشروع "باديس" العقاري بمدينة الحسيمة.
ولم يقتصر التحقيق، الذي تولاه مكتب الجرائم المالية والاقتصادية بالشرطة القضاِئية، على ذلك المشروع، بل شمل الكثير من المشاريع التي تنجزها الشركة بمدينتي الحسيمة والناظور.
وقال مصدر مطلع على ملف القضية إن المتضررين سعوا على مدار 8 سنوات لإقناع الشركة بالوفاء بما التزمت به من مواصفات في الجودة، إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك. ما دفعهم إلى التظلم لدى الملك محمد السادس، حيث التقوه صدفة على شاطئ البحر بمدينة الحسيمة في الصيف الماضي، وعرضوا عليه مظلمتهم، كي يأمر بعد ذلك بإدخال إصلاحات على المساكن وفتح تحقيق في الموضوع.
وشهد التحقيق، الذي تباشره الفرقة الوطنية للشرطة القضائية حتى الآن، إحالة 23 مسؤولاً، على رأسهم الرئيس التنفيذي لصندوق الإيداع والتدبير، أنس العلمي، والمدير العام للشركة العقارية العامة، علي غنام، إلى القضاء.
وتم توجيه تهم للاثنين باختلاس أموال عامة. وتنسحب التهمة نفسها تقريباً على مديرين ومهندسين معماريين وممثلين قانونيين لشركات بناء ومقاولات عمومية.
غير أن الأمر لم يقتصر على متابعة هؤلاء المسؤولين، بل إن المجلس الأخلاقي للقيم المنقولة، الذي يشرف على بورصة الدار البيضاء، أمر بتعليق تداول سهم الشركة العقارية العامة في البورصة اعتباراً من أمس الأول الخميس.
وتلجأ الدولة في الكثير من الأحيان إلى صندوق الإيداع والتدبير لتأمين التمويل لعدد من المشاريع. ويعد الصندوق أكبر مؤسسة استثمارية بالمغرب، ويتولى أيضاً تدبير وتوظيف أموال صناديق التقاعد والتحوط الاجتماعي، ويخضع للمراقبة المزدوجة لوزارة المالية والبنك المركزي.
وتتكون المنظومة الاقتصادية لصندوق الإيداع والتدبير من 146 شركة فرعية، منها 34 شركة في قطاع المصارف، وخمس شركات في قطاع التأمين، وثماني شركة في قطاع التطوير العقاري و39 شركة في قطاعات متنوعة.
وتضم محفظة المشاريع التي يقوم بها الصندوق نحو 50 مشروعاً ضخماً من المقرر أن تستقطب 235 مليار درهم (27 مليار دولار) من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة بحلول 2030. وستوفر هذه المشاريع نحو 250 ألف فرصة عمل، وفق بيانات الصندوق.