فضل الرحمن.. ضد اختطاف الإسلام

26 ديسمبر 2017
(من زخارف "قبّة الصخرة" في القدس المحتلة)
+ الخط -
استحوذت أطروحات المفكر الباكستاني فضل الرحمن (1919 – 1988) على اهتمامات دوائر سياسية وأكاديمية في بلاده وفي الغرب أيضاً. المعارضون لمشروعه انتقدوا قراءته لتاريخ الإسلام ضمن سياقاته الاجتماعية وعدم التزامه بالنص القرآني بحرفيته، والمؤيدون أرادوا توظيف بعض مقولاته باعتبارها نبوءة لصعود جماعات متطرّفة في نطاق خصومتهم معها.

بدأت مقاربات فضل الرحمن المختلفة في تأويل القرآن، ومحاولاته الدؤوبة في تحرير ما وصفه بـ"اختطاف" التفسيرات التقليدية لنصوصه، منذ كتابه "الإسلام" (1965) الذي صدرت ترجمته حديثاً عن "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" في بيروت و"مركز دراسات فلسفة الدين" في بغداد، ونقله إلى العربية الأكاديمي العراقي حسون السراي.

نشأ فضل الرحمن في أسرة متديّنة حيث تتلمذ على يد والده الإمام شهاب الدين في علوم الدين والكلام قبل أن يدرس اللغة العربية من "جامعة البنجاب" الباكستانية، ثم ينال الدكتوراه في فلسفة ابن سينا من "جامعة أكسفورد" في لندن حيث عمل منذ عام 1950 مدرّساً في عدد من الجامعات البريطانية والأميركية.

في الفترة التي ترأس فيها "المعهد الإسلامي للبحوث" في إسلام آباد نهاية الستينيات، تعرّض إلى هجوم واسع من تيارات الإسلام السياسي بتحريض من أبرز رموزها مثل أبو الأعلى المودودي واشتياق قريشي قادت إلى استقالته من المعهد والهجرة إلى الولايات المتحدة حيث رحل هناك.

انطلق فضل الرحمن في مؤلّفه "الإسلام" من سعيه إلى تحليل الإسلام عبر أربعة عشر قرناً مضت بتتبع سيرة النبي محمد ومفهوم الوحي وأصل علم الحديث ونشوء علم الكلام وتطوّر العقيدة وأحكام الشريعة والحركات الفلسفية والمتصوّفة والفِرق الإسلامية وصولاً إلى الحركات الإصلاحية الحديثة.

تظهر منهجية صاحب "الإحياء والتجديد في الإسلام" (1999) في حصره التعامل مع القراءة وفق قراءة مختلفة تلائم اللحظة الراهنة، مع تحييد السنة النبوية كمصدر للتشريع، وتناول طروحات الفقه في سياقاتها الزمانية والمكانية، وأن تظل مراجعات هذه النصوص متواصلة ومتأتية من منظور أخلافي محض.

عند هذه النقطة، تتوافق خلاصاته مع "الحداثة" مثل التساوي في الإرث بين الرجل والمرأة التي تقف على قدم المساواة معه في غيرها من المسائل الاجتماعية، أو عدم تحريم التعاملات البنكية والفائدة، أو نظام حكم مدني.

هنا تصل رؤية فضل الرحمن عند مفترق أسئلة، فالسلطة الباكستانية التي أيّدت مشروعه، تخلّت عنه لاحقاً حين رأت تنامي الغضب الشعبوي ضدّه، فهل يجب تطويع رؤية إصلاحية للخطاب الديني من أجل بناء دولة حديثة، أم أن هذه الرؤى يجب أن تبقى اجتهادات علمية خارج التوظيف السياسي؟

المساهمون