يمكن أن نقول اليوم، بلا تردد، إن حملة افتراءات أبوظبي والرياض ضد قطر تلقّت ضربة في الصميم، وذلك من خلال فشل اجتماع القاهرة، أمس الأربعاء، بين وزراء خارجية دول الحصار: مصر، السعودية، الإمارات، البحرين، الذي كان مكرساً لتقديم رد على الرد الذي تقدمت به قطر ردّاً على المطالب الـ13 التي تلقتها في الثالث والعشرين من الشهري الماضي، وكانت عبارة عن جردة من الإملاءات التي تجد مرجعيتها في أدبيات الاستعمار، وليس في القوانين والأعراف التي تحكم خلافات الدول.
تم استباق الاجتماع الرباعي بحملة قصف إعلامي مكثف طيلة الأيام العشرة التالية لتسليم الشروط إلى دولة الكويت، التي تتولى الوساطة في الأزمة، وكانت التصريحات الإماراتية والسعودية تهدف إلى ترهيب قطر كي تسلّم بالمطالب الـ13، ووصل وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إلى حد التهديد بطرد قطر من مجلس التعاون والطلاق معها، وهو يدرك أن قرار الطرد من مجلس التعاون مخالف للنظام الداخلي للمجلس.
شكّل يوم أمس تاريخاً فارقاً في مسار الأزمة، وقد انشدّت الأنظار نحو القاهرة بانتظار صدور قرارات الدول الأربع، التي تم التهديد بها طيلة أربعين يوماً، ولكن المفاجأة كانت أن النتيجة التي خرج بها الاجتماع لا صلة لها بكل ما سبقها من جعجعة عالية وتهديدات ووعيد، بل إن البيان الختامي جاء تعبيراً عن عجز الدول الأربع عن اتخاذ موقف تصعيدي، واختزل المطالب الـ13 في 6، تدعو إلى "الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بكافة صورهما، ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة"، وجاء في البند الثاني "إيقاف كافة أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف".
أما البند الثالث، فهو يعود إلى الأزمة السابقة في عام 2014، ويدعو إلى "الالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013، والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية لعام 2014، في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربي".
ويعتبر البند الرابع هو بيت القصيد الرئيسي في القرارات، وقد نص على "الالتزام بكافة مخرجات القمة العربية الإسلامية الأميركية التي عُقدت في الرياض في مايو/أيار 2017"، وهذا يتقاطع مائة في المائة مع المكالمة التي أجراها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، قبل المؤتمر الصحافي للوزراء الأربعة، الذي تأخر انعقاده قرابة ساعة ونصف الساعة، الأمر الذي أثار تكهنات وتفسيرات عديدة؛ منها انتظار إشارة من واشنطن التي غيّرت الاتجاه العام، وفق ما جاء في مضمون اتصال ترامب بالسيسي، ودعوتها إلى التفاوض لحل الأزمة، وهذا موقف يصدر لأول مرة عن ترامب منذ التغريدة الشهيرة التي اعترف فيها بأنهم حرّضوه على قطر (دول الحصار). والنقطة الثانية؛ إحالة الخلاف حول اتهام قطر بتمويل الإرهاب إلى مخرجات قمة الرياض العربية الدولية الإسلامية في 21 مايو/أيار الماضي، والتي حضرتها قطر وليس لديها اعتراص على قراراتها.
كانت نظرة واحدة إلى تعابير وجوه الوزراء الأربعة تكفي لإعطاء فكرة عامة عن البيان قبل تلاوته من قبل وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذي كانت ملامحه تشي بغضب قوي مكتوم لا يستطيع البوح به، ولم يظهر الوزراء بالمظهر الذي كان ينتظرهم فيه جمهورهم الذي وعدوه بقرارات تصعيدية تصل إلى حد سقف الحرب، وإذا بهم يخطون خطوة إلى الوراء، ولم يذهبوا أبعد من الشروط الـ13 التي اعتبرها العالم غير عقلانية وغير قابلة للتنفيذ، و"وضعت كي يتم رفضها"، على حد تعبير وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
ساد جو المؤتمر الصحافي ارتباك وتردد وتناقضات بين أجوبة الوزراء الأربعة؛ فالجبير يقول إن "الإجراءات حيال قطر ستتخذ في الوقت المناسب"، ونظيره البحريني يضيف "سنتخذ قرارات بعد الدرس والتشاور"، بينما يعتبر شكري أن المطالب الستة المقدمة لقطر "ليست قابلة للتفاوض، ولا توجد حلول وسط"، بينما ظهرت الصحف السعودية اليوم بمانشيت واحد "الدول الأربع تحدد 6 مبادئ لتسوية الأزمة مع قطر".
يبدو أن اتصال ترامب بالسيسي، بالإضافة إلى ضغوط أوروبية، غيّر من اتجاه الاجتماع، ووضع الدول الأربع أمام خيار وحيد؛ وهو أن المجتمع الدولي يدعم خيار المفاوضات، وبالتالي أي قرار آخر سيكون على مسؤولية الدول الأربع التي لم تجد غير التراجع خطوة إلى الوراء.
بدا أن أكثر الخاسرين من المسألة هي الإمارات، وقد ظهر وزير خارجيتها، عبدالله بن زايد، في وضع نفسي صعب، فهو لم يخرج بأي مكسب، وكانت خاتمة المؤتمر الصحافي من نصيبه عندما تحدث بانفعال، ليعلن "الانفصال مع قطر".
الفشل من نصيب الدول الأربع بأقساط متناسبة. وفي جميع الأحوال، لا يعني ذلك نهاية الحملة ضد قطر، بل سوف تتواصل، ولكنها ستصبح مع الزمن حكاية مضجرة تبعث على الملل، ومادة للفكاهة في هذا الصيف الساخن.