فزّاعة التوطين في وطن الأرز المعطّل

03 ابريل 2016
+ الخط -
استحضر وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، فزّاعة التوطين من جديد على خلفية زيارة أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، إلى لبنان، وهذه المرّة من باب اللاجئين السوريين؛ واستبق الزيارة بموقفٍ عدائيٍّ، حيث رفض استقبال الأمين العام في المطار، ولم يشارك لاحقاً في أية لقاءات عقدها كي مون مع المسؤولين اللبنانيين، وذهب إلى أبعد من ذلك، عندما عقد مؤتمراً صحفياً تحدّث فيه عن هذه الفزّاعة. وذلك كله في وقتٍ أكد رئيس الحكومة، تمام سلام، وبقية المسؤولين اللبنانيين، أن موضوع التوطين لم يُبحث في اللقاءات، فضلاً عن الإجماع اللبناني على رفضه، ورفض توطين اللاجئين الفلسطينيين، حفظاً لحق عودتهم.
يقول بعضهم في لبنان إن حديث الوزير باسيل عن فزّاعة التوطين ينمّ عن هاجسٍ له علاقة بالتغيير الديمغرافي في بلدٍ يقوم، أساساً، على التوازنات، ومحكومٌ بما يُعرف بالديمقراطية التوافقية، إلا أن هناك، في المقابل، من يقول إن حديث الوزير جاء في إطار الاستغلال السياسي، في ظل الفشل الذي مني به التيار الوطني الحر الذي يرأسه الوزير باسيل، خصوصاً بعد الفشل في إيصال مرشحه، النائب ميشال عون، إلى سدّة الرئاسة الأولى، على الرغم من تبنّي حزب القوات اللبنانية المنافس ترشيح عون، وهو ما جعل التيار ينكشف أمام الساحة المسيحية، في ضوء تخلّف حليفه الذي يراهن عليه، حزب الله، عن حضور جلسات الانتخاب، وعدم الضغط على حلفائه في فريق 8 آذار (سليمان فرنجية ونبيه بري) لانتخاب عون. وبالتالي، بدا التيار بحاجة إلى شدّ العصب المسيحي، بعد تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية أكثر من 22 شهراً، والفشل في إيصال عون إلى سدة هذه الرئاسة، ما دفع الوزير باسيل إلى استحضار فزّاعة التوطين، للظهور بمظهر الحامي للوجود المسيحي في لبنان من جهة، ولأخذ الأنظار عن ملف الرئاسة، خصوصاً أن الجلسة المقبلة للانتخاب قد تشهد تطوراً دراماتيكياً، قد يفضي إلى انتخاب فرنجية رئيساً.
لم ينفِ الحديث عن هذين الأمرين في استحضار فزّاعة التوطين، وفي خلفيات موقف الوزير باسيل، وجود أمورٍ أخرى، قد تكون السبب الحقيقي في إثارة هذا الملف. ولعل بعضهم في لبنان أفاد بأن باسيل لبّى رغبة حزب الله في عدم استقبال بان كي مون، وأثار هذه الفوضى، نظراً لموقف الأخير من حزب الله في ملف اتهامه بالإرهاب، وفي ملفات أخرى لها علاقة بتدّخل الحزب في ملفات المنطقة.
يبكي الوزير جبران باسيل على الوجود المسيحي في لبنان، ويثير هذه الفوضى والضوضاء، متجاهلاً المأساة الإنسانية التي يتعرّض لها السوريون ويعيشونها يومياً، مثيراً الخوف والقلق والفزع عند المسيحيين، واللبنانيين بشكل عام، من توطين اللاجئين. لكنه، للأسف، نسي أنه وقف مسانداً وداعماً للنظام المسؤول عن تهجيرهم وتشريدهم من قراهم ومدنهم، وتركهم نهباً لكل أذى في الأرض. نسي الوزير باسيل أنه حليف للحزب الذي تخطّى الحدود، وساهم بكل فعاليةٍ في طرد السكان وتهجيرهم من قراهم، تحقيقاً لتطلعات بعضهم في إقامة ما تسمّى "سورية المفيدة". نسي أنه وحزبه يعطّلان انتخاب رئيس للجمهورية، منذ أكثر من 22 شهراً، وهو الموقع الأول الذي يشغله المسيحيون، والذي يحفظ وجودهم في لبنان، بل في الشرق، ويسهم بذلك في تدمير بلد الأرز الذي يتغنّى به على الدوام. وما يُؤسف له أن بعض القيادات انزلقت معه إلى استحضار هذه الفزّاعة، قافزة فوق شعار الشراكة والمحبة.
ليس استحضار فزّاعة التوطين في لبنان، اليوم، سوى هروب إلى الأمام من استحقاقاتٍ مهمّةٍ، لا يجد تيار جبران باسيل فيها سبيلاً للنجاح.
(كاتب لبناني)