19 أكتوبر 2019
فرنسا والأزمة الليبية.. هاجس مزدوج
احتضنت فرنسا يوم 25 يوليو/ تموز الجاري، بمبادرة من الرئيس إيمانويل ماكرون، لقاءً بين رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دولياً، فايز السراج، وقائد قوات شرق ليبيا، الجنرال خليفة حفتر، اتفقا فيه، عبر وساطة فرنسية، على وقف إطلاق النار وتنظيم انتخابات في ربيع 2018. بيد أن الأمر لا يتعلق بنصٍّ موقع عليه من الطرفين، بل مجرد اتفاق على مبادئ عامة لتسوية الأزمة الليبية. ومن ثم فاحتمالات تجسيد التسوية تبقى ضعيفة، بالنظر للسوابق في هذا المجال.
تعد المبادرة الفرنسية امتداداً لسياستها حيال الأزمة الليبية، فقد عقدت باريس اجتماعاً نهاية 2016 جمع بعض الفواعل الإقليمية والدولية الداعمة لطرفي/أطراف الأزمة الليبية. وبالتالي فهي تأكيد على مقاربتها القائمة على دعم حفتر سياسياً وعسكرياً، لأنه الوحيد، في نظرها، القادر على محاربة الجماعات الإرهابية في ليبيا. لكن فرنسا أبقت على اتصالاتها الرسمية معه على مستوىً منخفض على الأقل علنياً. ومن ثم أن يستقبله الرئيس ماكرون يؤكد المقاربة الفرنسية التي تبناها الرئيس السابق فرانسوا هولاند، مانحاً إياها بعداً علنياً. وبهذا يكون ماكرون أول رئيس قوة غربية يستقبل الجنرال حفتر، ويمنحه شرعية طالما افتقدها. إنها نقلة نوعية في تعامل فرنسا الرسمي- العلني مع حفتر.
بهذا تعيد فرنسا النظر في قضية الشرعية في ليبيا، بإعادة هيكلتها: شرعنة حفتر، وتقليص من شرعية حكومة الوفاق الوطني من خلال رئيسها السراج. وبهذا، تسير فرنسا على خطى فواعل إقليمية تعمل على مراجعة الشرعية في ليبيا، بوضع حفتر والسراج في المصاف نفسه، كما فعلت الإمارات ومصر في استقبالهما الرجلين، لكن ليس دعماً للسراج وإنما لحفتر. بمعنى أن استقبالهما في لقاءات ثنائية ليبية، بغض النظر عن هوية العرّاب الإقليمي أو الدولي، فإن العملية برمتها مراجعة للشرعية الدولية المتمثلة في اتفاق الصخيرات الذي انبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني.
المشكلة أن هذا الاتفاق تجاهل قوات حفترـ فظل منقوصاً، وهذا ما يفسّر السعي الإقليمي والدولي إلى تدارك هذا النقص. لكن مثل هذه المقاربة قد تدخل أي تسويةٍ سياسية في ليبيا في حلقة مفرغة، لأن أي تغير في موازين القوى على الأرض سيراجع العملية السياسية مجدّداً، ما يعني تخبط البلاد في حرب شرعياتٍ لا نهاية لها، خصوصا أن الأطراف المتناحرة تؤمن بصفرية الصراع.
من ثم يمكن القول إن المسار الثنائي، بالاعتماد على فاعلين ليبيين، على الرغم مما يمثلانه، هو اختزال للمشهد الليبي المعقد، وتجاهل لصراع الشرعيات في ليبيا، فهناك تيارات ترفض السراج وأخرى ترفض حفتر، فيما ترفضهما تيارات أخرى معاً. كما أن اعتماد الثنائية هذه، عبر السراج وحفتر، هو استمرار لمعضلة الشرعية ذاتها: الصراع بين شرعياتٍ متناحرة محلياً من جهة، والصراع بين الشرعيتين، المحلية والدولية. وتعلم فرنسا وغيرها من الفواعل الدولية والإقليمية أن الشرعية الدولية بدون شرعية محلية لا تنفع، كما تدل على ذلك تجربة حكومة الوفاق الوطني. لذا، فالتغطية الشرعية الدولية لإنجازات حفتر العسكرية، مهما كانت الدوافع (محاربة الإرهاب)، فيما يفتقر الأخير إلى شرعية محلية (وطنية) لا ينفع أيضاً. والإشكالية هنا مزدوجة: لا يمكن التوصل إلى تسوية في ليبيا من دون إدراج فواعل ذات ثقل عسكري ميدانياً، كما لا يمكن التوصل إليها في ظل تجاهل فواعل أخرى مؤثرة في المشهد الليبي المعقد.
لكن، ما هي دوافع مبادرة ماكرون؟ أراد إعادة تموقع فرنسا في المشهد الليبي، بعد تركيز جهودها على الأزمة في مالي، وتدشين بداية عهدته بمبادرة سياسية إقليمية. وتنسجم الأخيرة وسياسة سلفه، هولاند، القائمة على لعبة مزدوجة: مساندة الشرعية الدولية، عبر عمل الأمم المتحدة ومبادراتها، والدفع نحو تدخل عسكري جديد في ليبيا بدعوى محاربة الإرهاب ودعم حفتر. ومن غير المستبعد أن يكون وزير خارجيته جون- إيف لودريان هو مهندس هذه المبادرة، فقد كان وزير الدفاع طوال عهد هولاند، وطالما قال بتدخل دولي في ليبيا لمحاربة الإرهاب. دافع آخر وراء المبادرة هو الهجرة السرية، فمن ليبيا تنطلق مئات القوارب المحمّلة بالمهاجرين باتجاه أوروبا. ويريد ماكرون أن تلعب ليبيا دوراً يشبه الذي تقوم به تركيا، فقد صرّح، أخيرا، بأن بلاده تريد إقامة مراكز متقدمة على الأراضي الأفريقية، خصوصا الليبية، للنظر في طلبات اللجوء، تفادياً لوصول أعداد هائلة من طالبي اللجوء إلى الأراضي الأوروبية عموماً، والفرنسية تحديداً. ونافلة القول إن هاجسي الإرهاب والهجرة/ اللجوء يمثلان هاجسين بنيويين في السياسة الفرنسية.
تعد المبادرة الفرنسية امتداداً لسياستها حيال الأزمة الليبية، فقد عقدت باريس اجتماعاً نهاية 2016 جمع بعض الفواعل الإقليمية والدولية الداعمة لطرفي/أطراف الأزمة الليبية. وبالتالي فهي تأكيد على مقاربتها القائمة على دعم حفتر سياسياً وعسكرياً، لأنه الوحيد، في نظرها، القادر على محاربة الجماعات الإرهابية في ليبيا. لكن فرنسا أبقت على اتصالاتها الرسمية معه على مستوىً منخفض على الأقل علنياً. ومن ثم أن يستقبله الرئيس ماكرون يؤكد المقاربة الفرنسية التي تبناها الرئيس السابق فرانسوا هولاند، مانحاً إياها بعداً علنياً. وبهذا يكون ماكرون أول رئيس قوة غربية يستقبل الجنرال حفتر، ويمنحه شرعية طالما افتقدها. إنها نقلة نوعية في تعامل فرنسا الرسمي- العلني مع حفتر.
بهذا تعيد فرنسا النظر في قضية الشرعية في ليبيا، بإعادة هيكلتها: شرعنة حفتر، وتقليص من شرعية حكومة الوفاق الوطني من خلال رئيسها السراج. وبهذا، تسير فرنسا على خطى فواعل إقليمية تعمل على مراجعة الشرعية في ليبيا، بوضع حفتر والسراج في المصاف نفسه، كما فعلت الإمارات ومصر في استقبالهما الرجلين، لكن ليس دعماً للسراج وإنما لحفتر. بمعنى أن استقبالهما في لقاءات ثنائية ليبية، بغض النظر عن هوية العرّاب الإقليمي أو الدولي، فإن العملية برمتها مراجعة للشرعية الدولية المتمثلة في اتفاق الصخيرات الذي انبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني.
المشكلة أن هذا الاتفاق تجاهل قوات حفترـ فظل منقوصاً، وهذا ما يفسّر السعي الإقليمي والدولي إلى تدارك هذا النقص. لكن مثل هذه المقاربة قد تدخل أي تسويةٍ سياسية في ليبيا في حلقة مفرغة، لأن أي تغير في موازين القوى على الأرض سيراجع العملية السياسية مجدّداً، ما يعني تخبط البلاد في حرب شرعياتٍ لا نهاية لها، خصوصا أن الأطراف المتناحرة تؤمن بصفرية الصراع.
من ثم يمكن القول إن المسار الثنائي، بالاعتماد على فاعلين ليبيين، على الرغم مما يمثلانه، هو اختزال للمشهد الليبي المعقد، وتجاهل لصراع الشرعيات في ليبيا، فهناك تيارات ترفض السراج وأخرى ترفض حفتر، فيما ترفضهما تيارات أخرى معاً. كما أن اعتماد الثنائية هذه، عبر السراج وحفتر، هو استمرار لمعضلة الشرعية ذاتها: الصراع بين شرعياتٍ متناحرة محلياً من جهة، والصراع بين الشرعيتين، المحلية والدولية. وتعلم فرنسا وغيرها من الفواعل الدولية والإقليمية أن الشرعية الدولية بدون شرعية محلية لا تنفع، كما تدل على ذلك تجربة حكومة الوفاق الوطني. لذا، فالتغطية الشرعية الدولية لإنجازات حفتر العسكرية، مهما كانت الدوافع (محاربة الإرهاب)، فيما يفتقر الأخير إلى شرعية محلية (وطنية) لا ينفع أيضاً. والإشكالية هنا مزدوجة: لا يمكن التوصل إلى تسوية في ليبيا من دون إدراج فواعل ذات ثقل عسكري ميدانياً، كما لا يمكن التوصل إليها في ظل تجاهل فواعل أخرى مؤثرة في المشهد الليبي المعقد.
لكن، ما هي دوافع مبادرة ماكرون؟ أراد إعادة تموقع فرنسا في المشهد الليبي، بعد تركيز جهودها على الأزمة في مالي، وتدشين بداية عهدته بمبادرة سياسية إقليمية. وتنسجم الأخيرة وسياسة سلفه، هولاند، القائمة على لعبة مزدوجة: مساندة الشرعية الدولية، عبر عمل الأمم المتحدة ومبادراتها، والدفع نحو تدخل عسكري جديد في ليبيا بدعوى محاربة الإرهاب ودعم حفتر. ومن غير المستبعد أن يكون وزير خارجيته جون- إيف لودريان هو مهندس هذه المبادرة، فقد كان وزير الدفاع طوال عهد هولاند، وطالما قال بتدخل دولي في ليبيا لمحاربة الإرهاب. دافع آخر وراء المبادرة هو الهجرة السرية، فمن ليبيا تنطلق مئات القوارب المحمّلة بالمهاجرين باتجاه أوروبا. ويريد ماكرون أن تلعب ليبيا دوراً يشبه الذي تقوم به تركيا، فقد صرّح، أخيرا، بأن بلاده تريد إقامة مراكز متقدمة على الأراضي الأفريقية، خصوصا الليبية، للنظر في طلبات اللجوء، تفادياً لوصول أعداد هائلة من طالبي اللجوء إلى الأراضي الأوروبية عموماً، والفرنسية تحديداً. ونافلة القول إن هاجسي الإرهاب والهجرة/ اللجوء يمثلان هاجسين بنيويين في السياسة الفرنسية.