فرنسا: حكومة اشتراكية تحارب اليسار

05 سبتمبر 2014
وزراء المالية والاقتصاد والدخلية في حكومة فالس(فرانس برس/ Getty)
+ الخط -

لم تتأخر إجراءات الحكومة الفرنسية الجديدة، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، بعد إعلان رئيس الوزراء مانويل فالس، تأييده للمقاولات، وانفتاحه على أرباب العمل، تزامناً مع تأكيد وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرون، اعتماد سياسة صارمة في مراقبة العاطلين من العمل.

وتبدو الحكومة في حاجة إلى الأموال، ولم يعد يكفي خفض عدد الموظفين، كما يوصي البنك الدولي، ولا سائر الإجراءات التقشفية الصارمة التي عادت بكثير من الأموال على الدولة.

وإذا كانت الحكومة، كذّبت إشاعة صحيفة "ليبراسيون"، عن نية الدولة زيادة الضريبة على القيمة المضافة، فإن هناك وسائل أخرى لجباية الأموال.

وفي هذا السياق، يأتي قرار الحكومة، تعزيز مُراقبة العاطلين من العمل. هذه الحكومة لم تجرؤ بعد على إلغاء سقف 35 ساعة، كفترة قانونية ضرورية للعمل أسبوعياً، وهو قانون اشتراكي يشكك فالس في جدواه، وكذلك ماكرون الذي طالب بتحريره، وهو من وعود حكومة ليونيل جوسبان، وكان الغرض منه إعطاء دفع للاقتصاد ومكافحة البطالة، ولم يستطع الرئيس نيكولا ساركوزي، إبان فترة حكمه الغاءه بالرغم من معارضته الشديدة له.

وجاء طلب وزير العمل فرانسوا ريبسامين من مكتب "التشغيل الحكومي"، تعزيز المراقبة من أجل اكتشاف العاطلين فعلاً، من العاطلين المزيفين، وهي سياسة اتبعت في إسبانيا قبل سنوات، وألقت بمئات الآلاف خارج أي مؤسسة إحصائية، بل وتم تنفيذ سياسة "مطاردة" و"وشاية" كان أغلب ضحاياها من المهاجرين، خصوصاً المغاربة، الذين أصبحوا لا يتقاضون أي مساعدة. واضطر العديد منهم إلى مغادرة إسبانيا، بصفة نهائية.

وبحسب ريبسامين، فإنه "يوجد في فرنسا 350 ألف عرض عمل، لا تجد من يستجيب لها، في بلد يبلغ عدد العاطلين من العمل فيه ثلاثة ملايين و400 ألف شخص. إنه أمرٌ لا يحتمل".

وأضاف "حين يكون المرء عاطلاً من العمل، بالمعنى الذي يمنحه المكتب الدولي للعمل، فإنه يبحث عن عمل، لكن من السلبي بالنسبة للذين يبحثون عن عمل أن يكونوا بجانب الذين لا يبحثون عن عمل".

قبل فترة، لم يكن يجرؤ أي وزير اشتراكي على استخدام هذا التعبير ولا هذه الاتهامات.  ولكن فالس حرّر الكلام وأطلقه من عقاله. وابتدأ هذا التحول الأيديولوجي منذ فترة طويلة، حين بدأ مسلسل تحطيم مبادئ اليسار. وأعلن أن الأمن لا علاقة له باليمين ولا باليسار. علماً أنه كاد أن ينضم إلى حكومة ساركوزي سنة 2007، ودافع عن تسليح الشرطة البلدية وتعميم المراقبة عن طريق الكاميرا، وهي إجراءات عارضتها البلديات الاشتراكية في فرنسا.

هذه الإجراءات، التي تشكل قطيعة مع الخطاب المفاجئ، للرئيس فرانسوا هولاند في ضاحية بورجي الذي أعلن فيه "عداءه للمال ولرجال المال"، ليعود هولاند إلى سابق فكره وأيديولوجيته الاجتماعية الديمقراطية.

في ظل  حكومة مانويل فالس الثانية، أصبحنا نقترب من نظرية اليمين التقليدي والمتطرف، الذي يرى، بكل سطحية، أن الأجانب يستولون على عمل الفرنسيين، وأن الذين يعملون بصفة غير قانونية، يسرقون وظائف من يتواجد في فرنسا بصفة قانونية.

يضاف إلى ذلك، وجود أجواء مخيفة من التشديد على النقابات ومحاولة سحقها، من خلال خلق البلبلة فيما بينها، وإشاعة ثقافة الوشاية. وأكثر من هذا تهديد فالس بتنفيذ القرارات الوزارية المثيرة للجدل، تحديداً "مشروع القانون حول النمو" من دون المرور عبر نقاشات برلمانية.

ووجد النائب الاشتراكي بوريا أميرشاهي في هذا الأسلوب "هروباً مهلوساً إلى الأمام نحو نفي الديمقراطية"، مؤكداً أن الأمر "لا يتعلق بنقاش تقني، ولكن بنقاش مجتمع وحياة، ولا يمكن أن يُعالَج خارج البرلمان. إنه نقاش يستحق أن يُخاض بطريقة ذكية ومتنورة وباستحضار الحجج".     

مسلسل تحطيم مكتسبات اليسار يسير على قدم وساق، ولا أحد يعرف مداه، وجاء مانويل فالس إلى جامعة الحزب الاشتراكي الصيفية بلاروشيل، ليعبر عنه، بصرخته الغاضبة والملتهبة: "نحن اليساريين..."، ردا على صرخات غاضبة كانت تصرخ: "يحيا اليسار".