فرنسا: البطالة الجزئية مفتاح اقتصادي في زمن كورونا

09 ابريل 2020
تدابير احترازية واسعة النطاق بمواجهة الفيروس (فرانس برس)
+ الخط -
لا يفرّط وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، بفرصة تتيح له الافتخار أمام وسائل الإعلام بسياسة بلاده الاقتصادية للحدّ من تسريح الموظفين خلال أزمة كورونا، وبالتذكير، في الوقت نفسه، بأن "ملايين الموظفين يُسرحّون كل أسبوع في الولايات المتحدة"، كما قال، أمس الأربعاء، في مؤتمر صحافي.

وبالفعل، ففي حين خسر أكثر من 11 مليون أميركي أعمالهم، خلال الأسبوعين الماضيين فقط، لم تسجّل فرنسا أي موجة تسريح تذكر، منذ دخول البلاد حالة من العزل، في 17 مارس/آذار الماضي.

ويكمن سرّ فرنسا هذا، في وضع تدبير البطالة الجزئية (أو البطالة التقنية) في قلب سياستها لمواجهة تداعيات الوباء على الصعيد الاقتصادي، عبر تسهيل شروط الاستفادة منه للشركات التي ترغب، ومساعدتها في تحمل النفقات.

يسمح هذا التدبير، في الأوقات العادية، للشركات التي تعرف انخفاضاً بنشاطها، بالتخفيف من شغل موظفيها، ووضع بعضهم أو أغلبهم في حالة من البطالة النسبية، تتيح لها الحفاظ على الموظفين عبر دفع نسبة من رواتبهم (70% من الراتب الصافي)، وتجنب خسارة مهاراتهم وخسارة مبالغ متعلقة بدفع نفقات البطالة الكاملة أو بتدريب موظفين جدد. كما تسمح، بالتأكيد، للموظفين، بالحفاظ على أعمالهم ونسب من مدخولهم.

ومع دخول البلاد حالة العزل وتوقف أغلب الشركات عن العمل، في وقت لا تسمح فيه الحكومة إلا لـ"القطاعات الضرورية"، مثل القطاع الزراعي وقطاع الأغذية، بالإنتاج، جرى تعميم البطالة الجزئية، التي تقفز أعداد المستفيدين منها كل يوم.

وبحسب أرقام وزارة العمل، فقد تقدمت، حتى اليوم، 630 ألف شركة فرنسية بطلب الاستفادة من هذه الخدمة، 60% منها شركات يقل عدد موظفيها عن 50.

وبلغ عدد المستفيدين من الخدمة، من بين الموظفين، 7 ملايين، أي أكثر من فرنسيّ عامل من أصل أربعة (ثمة 20 مليون شخص عامل في فرنسا). ويبقى هذا الرقم قابلا للارتفاع خلال الأيام المقبلة.

وعبر تحمل نفقات البطالة الجزئية بدلاً من أرباب العمل، تحاول الحكومة، بحسب ما قال رئيس الوزراء إدوارد فيليب، قبل مدّة، التقليل من إغراء تسريح العمال، جاعلة إياه "أقل فائدة" بالنسبة إليهم.

وللزيادة من فعالية التدبير، تسرّع من تدخلها لتجنيب الشركات الخسائر، حيث تقوم بتعويض أرباب العمل بعد أسبوع فقط من تقدمهم بطلب الاستفادة من البطالة الجزئية.

ولا تخفي الحكومة المبلغ الباهظ الذي تدفعه لتمويل البطالة الجزئية. حيث ذكّرت وزيرة العمل، مورييل بينيكو، اليوم الخميس، بأن التدبير سوف يكلف خزينة الدولة "ثمناً كبيراً جداً" من المرجح أن "يتجاوز الـ20 مليار يورو".

لكن بينيكو استدركت بأنه "استثمار يستحق العناء، وسوف يؤتي ثماره على المدى الطويل". وقالت بصراحة إنه لو حصلت "موجات تسريح" في فرنسا، لكانت تسببت بـ"انهيار اجتماعي" وبـ"انفجار في تكاليف التأمين ضد البطالة" التي كان على الدولة ومؤسسات التأمين دفعها لملايين المسرّحين، مع العلم أن النسبة الوسطية من الراتب التي تدفعها مؤسسات التأمين للمسرّحين من أعمالهم تبلغ 72%.

ويعني هذا أن الحكومة تعد "رابحة"، بمعنى ما، من لجوئها إلى تدبير كهذا لا يكلفها أكثر مما كانت تسريحات العمال لتكلفها لو حصلت. كما أنها تستثمر سياسياً في إجراءات كهذه تعطي عنها صورة الحكومة الراعية والمنقذة، بعد أن التصقت بها سمعة "الليبرالية التي لا ترحم" خلال السنوات الثلاث الماضية.

لكن البطالة الجزئية قد لا تكفي وحدها لتجنب إغلاق بعض الشركات أبوابها تماماً، إذا ما استمر العزل أسابيع أخرى.

وفي دراسة نشرتها اليوم الخميس، تتوقع مؤسسة "إنفو ليغال"، المختصة في تقدير المخاطر الاقتصادية والتمويلية للشركات، حصول "موجة كبيرة من الإفلاسات" في فرنسا بحلول نهاية إبريل/ نيسان الجاري.

وبحسب الشركة التي استندت إلى قرارات صدرت في الأيام الأخيرة، في عدد من المحاكم التجارية، فإن الشركات التي قد تكون أولى ضحايا الأزمة الاقتصادية الحالية هي تلك التي يقل عدد موظفيها عن 5 أشخاص، والتي تتوقع إفلاس 72% منها، وكذلك الشركات التي لا تتجاوز أرقامها السنوية الـ500 ألف يورو، والتي قد تصل نسبة الإفلاس بينها إلى 51%.
دلالات
المساهمون