تعتبر السيدة التي تعمل في الجامعة منذ التسعينيات في الميدان البيولوجي، وأم لولدين، أن الوسط الذي يقدم هذه الهدية لليمين المتطرف هو وسط مغاربي "متخلف" ومهمش تشكّل على حواف المدينة الأوروبية، فأنتج هذا النبت الضار، الذي لم يعره أحد اهتماما حين كان يترعرع ويكبر، حتى صار يهدد بتسميم الجو الأوروبي في صورة عامة.
وتضيف: "ومثل غيري تجاذبتني رؤيتان حيال تفسير هذه الظاهرة، ولم أشكل نظرة خاصة بي حتى صرت أفهم "داعش". كيف تشكل وممن وما هو هدفه؟ وتوضح أن الخلط بين الإسلام والإرهاب فيه تحامل على الإسلام، مثلما أن رد الفعل الآتي من الطرف الآخر ليس نابعا من عنصرية وأسلاموفوبيا وكراهية المهاجرين".
من يسير في شوارع باريس، اليوم، قبل يوم الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، يجد أن مسألة الإرهاب أصبحت الأولى في اهتمامات الشارع الذي يعيش حالة من التوتر بسبب العمليات الإرهابية، ويبدو أنه كلما اقترب يوم الاقتراع صباح الأحد زادت الأجواء سخونة، وما أن أعلنت السلطات الفرنسية يوم الأربعاء عن إفشال عملية إرهابية في مدينة مرسيليا واعتقلت اثنين أحدهما فرنسي اعتنق الإسلام، حتى وقعت عملية في وسط جادة الشانزليزيه مساء الخميس، في الوقت الذي كان فيه الفرنسيون يتابعون على القناة الثانية آخر مناظرة تلفزيونية بين المرشحين قبل بدء الصمت الانتخابي مساء اليوم الجمعة.
وحصلت عملية أمس في زمان ومكان مدروسين، فتوقيتها جاء في لحظة ينشدّ فيها الفرنسيون إلى واحدة من أكثر الدورات الانتخابية إثارة في تاريخ الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال دوغول منذ نحو 60 عاما، وفي لحظة تبدو مفصلية بالنسبة لخيارات الناخبين، والهدف منها إرسال أكثر من رسالة إلى المرشحين والناخبين. الرسالة الأولى مباشرة، ومفادها أن صوت الإرهاب هو الأعلى، وأن "داعش" هو الناخب رقم واحد، ولا سيما أن فرنسا تعد ثاني بلد بعد الولايات المتحدة انخراطا في الحرب ضد التنظيم، وهي تخوض الحرب ضده على عدة جبهات في مالي وتونس وسورية والعراق.
الرسالة الثانية هي محاولة مكشوفة للتدخل في اتجاهات التصويت، ويفهم أن غرض باعث هذه الرسالة هو دفع جمهور المترددين، الذي يصل إلى 40% من الأصوات، للتصويت لليمين المتطرف، أو اليمين التقليدي الذي يمثله المرشح فرانسوا فيون، والذي يضع قضية الأمن على رأس جدول أعماله، ومن هنا ليس مفاجئا تبني "داعش" للعملية، وصار مفهوما أنه يدفع في اتجاه وصول مارين لوبان إلى الحكم، الأمر الذي يخدم أيديولوجيته القائمة على نشر الفوضى، وهي التي يعمل على تطبيقها في سورية والعراق وليبيا وتونس.
وتلفت السيدة المغربية إلى نقطة هامة، وهي أن جميع الذين تورطوا في عمليات إرهابية تحت راية التنظيم في أوروبا من الجانحين وذوي السوابق وخريجي السجون بسبب سرقات أو تجارة بالمخدرات وجرائم عنف، وهذا أمر لم يعد سرا، لا للسلطات الأوروبية ولا للرأي العام، ولكن اليمين الشعبوي الذي يصطاد في الماء العكر، لا يجد القدرة على تسويق أفكاره ضد الجاليات ذات الأصول العربية والمسلمة، نظرا لأنه لا يملك برنامج حكم، وهو يعاني من إفلاس، وليس لديه مشروع، ولذا تأتي العمليات الإرهابية لتنتشله من القاع وترفع أسهمه في أوساط تتأثر بدعاية إعلامية سطحية تتخذ من الإسلام عدوا.
باريس اليوم أشبه بثكنة عسكرية، آلاف من رجال الأمن والجيش ينتشرون في كل مكان من أجل تأمين العملية الانتخابية، وهو الأمر الذي لم تعهده في دورات انتخابية سابقة، ولكن الحياة تبدو طبيعية، لأن هزيمة الإرهاب لا تتم بالطائرات والصواريخ الحربية فقط.