فتيات قاصرات في سوق الشغل التونسي

30 سبتمبر 2015
هل يضطررن إلى التخلي عن حقائبهنّ المدرسيّة، والعمل؟ (Getty)
+ الخط -

في محطة للنقل في العاصمة التونسيّة، ومنذ ساعات الصباح الأولى، تجلس نجاة فوق حقيبتها وتنتظر. هي لم تأتِ إلى العاصمة للدراسة كغيرها ممّن هم في مثل سنّها، بل قصدتها للعمل، على الرغم من أنّها لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها.
حين تقترب منها لسؤالها عن حالها، ترتعد خوفاً. أنت غريب يحاول التطفّل عليها. لكنّها تجيب، في حين تنظر مِن حولها، متوقّعة وصول من تنتظره.

هي من ولاية جندوبة (شمال غرب تونس)، وقد حضرت إلى العاصمة للعمل في أحد البيوت، بعدما أمّن لها والدها "فرصة" لدى عائلة تونسيّة. تجيب بحذر، لأنّها نُبّهت من قبل ألا تتحدّث إلى غرباء. وتخبر: "تركت الدراسة لأنّ والدي لم يعد قادراً على تغطية مصاريفها. لذا، اضطررت إلى العمل، في مقابل أن يواصل أخي الأصغر دراسته". هي تعلّمت من والدتها كيفيّة إدارة شؤون المنزل.
ونجاة واحدة من فتيات تونسيات كثيرات يتركن الدراسة في سنّ مبكرة بسبب الفقر، ويعملن كمساعدات منزليات. بالتأكيد، لا إحصائيات رسمية عن عدد هؤلاء، إذ لا أحد يصرّح عن تشغيله فتاةً قاصرة وتجاوزه للقانون. بالتالي، يبقى ذلك من أسرار بعض البيوت الفقيرة التي لا أمل لها سوى إرسال إحدى بناتها للعمل في المدن، وبعض بيوت البسطاء أو الأثرياء الذين يستغلون اليد العاملة الصغيرة لتدنّي أجورها.

وبعدما كان موضوع تشغيل القاصرات مغموراً إعلامياً، بدأ الضوء يُسلّط عليه اليوم، لا سيّما مع تفاقم هذه الظاهرة وارتباطها بالفقر وارتفاع معدلات البطالة وغلاء المعيشة. وراحت وسائل الإعلام تعالج قضيّة اضطرار تلميذات كثيرات إلى ترك مقاعد الدراسة والتوجّه إلى أشغال فلاحية وفي داخل البيوت لمساندة عائلاتهن.
قبل سنتين، كشفت وزارة التربية التونسية أرقاماً تفيد بأن الإناث يشكلن 60 في المائة من التلاميذ الذين يتركون الدراسة. وقد أقرّ وزير الشؤون الاجتماعية، أحمد عمار الينباعي، بانتشار ظاهرة تشغيل الأطفال في البلاد، ورأى أنّ عدد الأطفال الذين يُجبَرون على العمل في المنازل، يتزايد في الفترة الأخيرة، وهو ما يستوجب إيجاد حلول جذرية للحدّ من هذه الظاهرة.
كذلك أعلن عن تشكيل لجنة لتشخيص هذه الظاهرة ومعالجتها، وذلك من خلال العمل على رصد واقع تشغيل الأطفال في تونس ومنع استغلالهم لغايات اقتصادية، والحرص على مراجعة التشريعات وتفعيل بعض القوانين التي لم تطبّق بعد، وتفعيل آليات مكافحة ظاهرة الاستغلال الاقتصادي للأطفال وغرس ثقافة حقوق الطفل والسعي إلى رفع مستوى الوعي، خصوصاً لدى الفئات الأكثر فقراً والتي تدفع بأبنائها وبناتها إلى العمل في المنازل من دون أي وعي بخطورة هذه الظاهرة.

في أحد مكاتب التوظيف في العاصمة، كانت قاعة الانتظار تزدحم بهؤلاء الذين يبحثون عن عمل في أحد بيوت العائلات المقتدرة أو في الإدارات والمكاتب الخاصة. بين هؤلاء، كانت تجلس فتاة لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، وهي تحمل حقيبة ملابس وتنتظر بصمت دورها لدخول المكتب والحصول على عنوان البيت الذي ستعمل به، وذلك بعد دفع رسم بسيط وانتظار من يصطحبها. هي ليست إلا حالة من بين مئات أو أكثر، أرغمتها الظروف على الانقطاع عن التعليم والعمل في خدمة منازل بعيدة عن العائلة.
توضح أحكام مجلة حماية الطفل في فصلها رقم 20، أنّ تشغيل الأطفال في ظروف مخالفة للقانون يشكّل استغلالاً اقتصادياً من شأنه أن يمسّ بسلامتهم الجسدية والنفسية والمعنوية. وعلى الرغم من أنّ القانون يُعاقب من يشغّل الأطفال دون السنّ القانونيّة، إلا أنّ هذه الظاهرة منتشرة بكثافة.

من جهتها، تؤكد رئيسة "جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية"، سلوى كنو، أنّ "ظاهرة تشغيل القاصرات منتشرة بكثرة في الشمال الغربي من تونس، خصوصاً في منطقتي فرنانة وعين دراهم. وتبلغ نسبة العاملات في المنازل اللواتي تراوح أعمارهن بين 12 و17 عاماً 17.5 في المائة". تضيف أنهنّ "يتحدّرن من مناطق ريفية، حيث ينتشر الفقر، مثل ولاية جندوبة، مع 25 في المائة، ومن ثم ولايتَي القصرين والقيروان مع واحد المئة، وولاية بنزرت مع 10 في المائة".
وتشير كنو إلى أنّ "بعضهن تعرّضن إلى الاغتصاب والعنف، لكنهنّ لم يُعلِمن العائلة ولا الشرطة ولا المرشدات الاجتماعيات بهذه الانتهاكات، بسبب الشعور بالخوف أو العار".
وقد بيّنت العيّنة التي شملها بحث الفريق التابع للجمعية، أنّ نحو 70 في المائة منهن لا يستطعن رفض الأوامر ولا يملكن حرية العودة إلى أسرهنّ. كذلك، فإنّ 73 بالمائة منهنّ لا يتمتعن بأيّ عطلة خالصة الأجر. وقد صرّحت 45 في المائة منهنّ بأنّهن مضطرات إلى مواصلة العمل على الرغم من المرض في حين يُمنعن من زيارة الطبيب.

اقرأ أيضاً: مخدرات في مدارس تونس
المساهمون