وحول ماهية الاجتماع، يوضح مصدر مسؤول لـ"العربي الجديد"، أنّ بوتفليقة طلب "وضع خطة عاجلة لوقف المواجهات وإعادة الأمن والاستقرار، كما حذّر القيادات الأمنية والحكومية من مخاطر الفتنة الطائفية المتنامية في المدينة. وكلّف قائد الجيش بتسلم سلطة إدارة المدينة ووقف المواجهات، معلناً من خلال تكليفه، فتح حوار مباشر مع ممثلي المجموعتين السكانيتين في غرداية الأمازيغ والعرب". ويؤكّد المصدر أنّ بوتفليقة "تخوّف من تداعيات هذه الفتنة في المنطقة، في حال لم يتم حلها في أقرب وقت. ودعا الرئيس قيادة الجيش والدرك والأمن إلى تشكيل خلية تنسيق مشترك لإعادة الأمن إلى المدينة، حتى وإن استدعى الأمر إعلان حظر التجول".
ويلفت المصدر إلى أنّ بوتفليقة أمر وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي بالتوجه إلى غرداية، في ثاني زيارة له في أقل من أسبوع، لبحث التطورات الخطيرة، والإشراف على وضع خطة لفرض الأمن في المنطقة. ويضيف، أنّ السلطات أوفدت قائد المنطقة العسكرية الرابعة إلى المدينة، وأرسلت تعزيزات أمنية عسكرية تحسباً لدخول الجيش ساحة الاشتباكات، ووضع مدينة القرارة تحت حصار أمني مشدد منذ يوم الأربعاء.
وجاء هذا الاجتماع عقب ارتفاع حصيلة المواجهات العرقية والمذهبية، التي بدأت يوم الإثنين، في منطقة غرداية إلى 18 قتيلاً. وأفادت مصادر لـ"العربي الجديد" عن ارتفاع العدد إلى 22 قتيلاً، أمس الأربعاء، متأثرين بجروحهم. وأفاد بيان نشرته السلطات الجزائرية، أمس، بأنّ 15 شخصاً قتلوا يوم الثلاثاء، متأثرين بجراحهم خلال المواجهات العنيفة التي شهدتها أحياء بلدات القرارة وبريان في ولاية غرداية. وذكر البيان أن الحصيلة الرسمية، حتى صباح الأربعاء، ارتفعت إلى 18 شخصاً، إضافة إلى عشرات المصابين، بينهم سبعة في حالة خطرة، مرجحة ازدياد العدد.
اقرأ أيضاً: ارتفاع حصيلة المواجهات الطائفية بغرداية إلى 18 قتيلاً
واعتصم السكان الأمازيغ، أمس الأربعاء، أمام دار الصحافة في العاصمة الجزائرية للتنديد بما حصل. ويقول شهود عيان إنّ "أسلحة نارية تقليدية استعملت في هذه المواجهات العنيفة، إضافة إلى زجاجات المولوتوف والأسلحة البيضاء". ويضيف الشاهد لـ"العربي الجديد"، أنّه "تم إحراق منازل ومحلات تجارية، ودفعت أعمال العنف بالعشرات من العائلات إلى هجر منازلها والابتعاد عن مناطق المواجهات في الأحياء السكنية. وتدخلت قوات الأمن لوقف المواجهات وإعادة استتباب الأمن مستعملة القنابل المسيلة للدموع".
ويقول الناشط السياسي يزيد بوعناني لـ"العربي الجديد" إنّ "السلطة فشلت في حلّ الأزمة، بسبب الصراع الحاصل داخلها، ولعدم انتباهها إلى جدية الأزمة في المنطقة"، لافتاً إلى أنّ "فشل السلطة في غرداية لا ينفصل عن فشلها في حلحلة باقي المشاكل التي تعيشها الجزائر".
وطالب مجلس أعيان مدينة القرارة الحكومة بالتدخل العاجل لردع ما وصفها بـ"الفوضى التي تسود المنطقة منذ سنوات، من دون أن تضع حداً أو حلاً لها". واتهم ناشطون أمازيغ في غرداية السلطات بالتقاعس في حماية الأمازيغيين، مشيرين إلى أنّ الأمر يتطور إلى "تصفية ممنهجة". ويقول الإعلامي نيس الهيشر لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأمر بات واضحاً، أنّ هناك طرفاً ثالثاً لا يريد أن تهنأ غرداية. علّمتنا الأزمة أنّه بعد كل زيارة رسمية للسلطة إلى غرداية، تنفلت الأوضاع، وأعتقد أن صراع أجنحة السلطة بين الرئاسة والمخابرات يلقي بظلاله على الأزمة".
وأدى تطور الأوضاع الخطيرة في غرداية إلى انتفاضة للأمازيغ المنتمين إلى المنطقة، في العاصمة الجزائرية وعدد من المدن، للمطالبة بوقف ما اعتبروه تحيّز السلطات لصالح السكان العرب، والحدّ من التخريب الممنهج لممتلكاتهم ومحلاتهم. وتخوّف مراقبون من أن يؤدي انفلات الوضع في المنطقة إلى أزمة حادة وتدويل القضية خارجياً، بعدما كان ناشطون أمازيغ قد رفعوا تقريراً سابقاً إلى الأمم المتحدة للمطالبة بحماية ما يعتبرونه "أقلية عرقية"، لكن الشخصيات الرمزية والهيئات العرفية الممثلة للسكان الأمازيغ في المنطقة رفضت مطلبهم.
تعد أحداث غرداية أخطر فتنة مذهبية وعرقية تشهدها الجزائر منذ الاستقلال بين السكان العرب المنتمين إلى المذهب المالكي والسكان الأمازيغ المنتمين إلى المذهب الأباضي. ومنذ شهر ديسمبر/ كانون الأول 2008، تتجدد المواجهات الطائفية في غرداية وبلداتها، وذهب ضحيتها عدد كبير من القتلى، وأخفقت التعزيزات الأمنية التي أرسلتها السلطات إلى المدينة في ديسمبر/ كانون الأول 2014، في إعادة الأمن والاستقرار إلى المدينة.
اقرأ أيضاً: عجز الدولة يعيد إحياء فتنة غرداية الجزائرية