فانوس ومسحراتي
سلامة عبد الحميد
صحافي مصري، من أسرة "العربي الجديد". يقول عن نفسه: أكره السياسة والمنافقين، وضدّ كل المستبدين. أحب السينما والموسيقى والسفر..
مباشر
يعيد حلول شهر رمضان سنوياً إلى مخيلتي الكثير من ذكريات الطفولة المرتبطة بطقوسه المميزة في مصر، والتي اختفى بعضها تماماً، وتطور بعضها الآخر.
كأغلب أقراني آنذاك، كان لفانوس رمضان أهمية كبرى كأحد مستلزمات الشهر الأساسية، وإن كانت عملية شرائه لا تخلو من مشكلات بسبب إعجابي بأكثر من فانوس عادة، وعدم القدرة على اختيار أحدها، أو اختيار الفانوس، ثم اكتشاف فانوس آخر أفضل. لم تكن عملية الشراء عادة تمر بهدوء.
ما زلت أتذكر فانوسي المعدني الصغير المزين بالزجاج الملون، والذي تضيئه شمعة بيضاء رفيعة، وأتذكر أنني حصلت في سنوات لاحقة على فوانيس أكبر حجماً، لكن ظل الفانوس الأول صاحب الحظوة عندي.
عندما ظهر الفانوس الذي يضيء بمصباح يعمل ببطارية جافة، والذي كان حدثاً كبيراً وقتها، لم أكن من المعجبين به، ولم أنفك أفضل فانوس الشمعة التقليدي عليه، وما زلت حتى يومنا هذا.
في سنوات لاحقة توقفت عن شراء الفانوس باعتباره شأنا طفوليا. وقتها ظهرت أنواع من الفوانيس التي تصدر صوت موسيقى أو يسمع منها أجزاء من أغنيات أو أدعية دينية، كما ظهرت أشكال متعددة من الفوانيس، لكن كل تلك الأشكال لم تؤثر على مكانة الفانوس المعدني المغطى بالزجاج الملون الذي يحوي شموعاً، والذي تحول بمرور السنين إلى هدية قيمة.
مثلما ارتبط رمضان في مخيلتي بالفانوس، كانت مكانة المسحراتي مميزة، رغم أن مهمته الأصلية في تنبيه الناس إلى موعد السحور لم تعد مطلوبة لتعدد وسائل التنبيه مثل الساعة والراديو والتلفزيون، وصولاً إلى الهواتف المحمولة.
كان مرور المسحراتي في حيّنا الصغير يومياً، طقساً محبباً لي في سنوات طفولتي، وكنت وغيري كثيرين، ندور معه على منازل الحي حاملين فوانيسنا المضاءة كل ليلة تقريباً.
لم يكن مسحراتي حيّنا يكرر تلك النصوص الشهيرة المتداولة عن المسحراتي "إصحى يا نايم. وحّد الدايم. وحد الرزاق. رمضان كريم"، وإنما كان يكتفي بنقر طبلته الصغيرة نقرات خفيفة، قبل أن ينادي بصوت عال: "سحور يا حاج صلاح. سحور يا أستاذ علي"، أو ينادي سيدة البيت باسم ابنها أو ابنتها "سحور يا ست أم محمد. سحور يا ست أم سحر"، فذكر السيدات بأسمائهن المجردة كان ولا يزال غير مستحبّ في المجتمعات الشعبية.
اقــرأ أيضاً
وفي رحلتنا مع المسحراتي كل ليلة عبر دروب الحي الضيقة، كنا لا نستطيع إخفاء انبهارنا بقدرته على حفظ أسماء جميع السكان، وكيف أنه يعرف أين يقيم كل منهم تحديداً، ولا يكاد يخطىء أبداً في اسم أو عنوان.
لم يكن يشغلنا وقتها كيف يكسب المسحراتي قوت يومه بعد انتهاء شهر رمضان، وكذا صانع الفوانيس.
كأغلب أقراني آنذاك، كان لفانوس رمضان أهمية كبرى كأحد مستلزمات الشهر الأساسية، وإن كانت عملية شرائه لا تخلو من مشكلات بسبب إعجابي بأكثر من فانوس عادة، وعدم القدرة على اختيار أحدها، أو اختيار الفانوس، ثم اكتشاف فانوس آخر أفضل. لم تكن عملية الشراء عادة تمر بهدوء.
ما زلت أتذكر فانوسي المعدني الصغير المزين بالزجاج الملون، والذي تضيئه شمعة بيضاء رفيعة، وأتذكر أنني حصلت في سنوات لاحقة على فوانيس أكبر حجماً، لكن ظل الفانوس الأول صاحب الحظوة عندي.
عندما ظهر الفانوس الذي يضيء بمصباح يعمل ببطارية جافة، والذي كان حدثاً كبيراً وقتها، لم أكن من المعجبين به، ولم أنفك أفضل فانوس الشمعة التقليدي عليه، وما زلت حتى يومنا هذا.
في سنوات لاحقة توقفت عن شراء الفانوس باعتباره شأنا طفوليا. وقتها ظهرت أنواع من الفوانيس التي تصدر صوت موسيقى أو يسمع منها أجزاء من أغنيات أو أدعية دينية، كما ظهرت أشكال متعددة من الفوانيس، لكن كل تلك الأشكال لم تؤثر على مكانة الفانوس المعدني المغطى بالزجاج الملون الذي يحوي شموعاً، والذي تحول بمرور السنين إلى هدية قيمة.
مثلما ارتبط رمضان في مخيلتي بالفانوس، كانت مكانة المسحراتي مميزة، رغم أن مهمته الأصلية في تنبيه الناس إلى موعد السحور لم تعد مطلوبة لتعدد وسائل التنبيه مثل الساعة والراديو والتلفزيون، وصولاً إلى الهواتف المحمولة.
كان مرور المسحراتي في حيّنا الصغير يومياً، طقساً محبباً لي في سنوات طفولتي، وكنت وغيري كثيرين، ندور معه على منازل الحي حاملين فوانيسنا المضاءة كل ليلة تقريباً.
لم يكن مسحراتي حيّنا يكرر تلك النصوص الشهيرة المتداولة عن المسحراتي "إصحى يا نايم. وحّد الدايم. وحد الرزاق. رمضان كريم"، وإنما كان يكتفي بنقر طبلته الصغيرة نقرات خفيفة، قبل أن ينادي بصوت عال: "سحور يا حاج صلاح. سحور يا أستاذ علي"، أو ينادي سيدة البيت باسم ابنها أو ابنتها "سحور يا ست أم محمد. سحور يا ست أم سحر"، فذكر السيدات بأسمائهن المجردة كان ولا يزال غير مستحبّ في المجتمعات الشعبية.
وفي رحلتنا مع المسحراتي كل ليلة عبر دروب الحي الضيقة، كنا لا نستطيع إخفاء انبهارنا بقدرته على حفظ أسماء جميع السكان، وكيف أنه يعرف أين يقيم كل منهم تحديداً، ولا يكاد يخطىء أبداً في اسم أو عنوان.
لم يكن يشغلنا وقتها كيف يكسب المسحراتي قوت يومه بعد انتهاء شهر رمضان، وكذا صانع الفوانيس.
المساهمون
المزيد في مجتمع