فاتورة الانتعاش تغرق اليابان في بحر الديون

27 ديسمبر 2014
ديون اليابان الحالية تبلغ 6.53 ترليونات دولار(فرانس برس)
+ الخط -
ربما يكون رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، الذي فاز بدورة ثانية في الحكم، يقامر بمستقبل اليابان في رهانه على إنعاش الاقتصاد الياباني، عبر حزم التحفيز الضخمة التي يضخها في شرايين اقتصاد بلاده. وبالتأكيد فإن ترليونات الينّات التي تدفقت حتى الآن لشراء سندات الشركات والبنوك ستنعش سوق المال الياباني وتزيد جاذبية الأسهم والسندات للمستثمرين، ولكنها ربما تغرق اليابان في مزيد من الديون خلال العقود المقبلة.
وتقدر ديون اليابان حالياً بحوالى 6.53 ترليونات دولار؛ وهو ما يعادل 134% من الناتج المحلي. وهذه المديونية الضخمة، تكلف خدمتها حوالى 15.4% من الدخل الضريبي للدولة.
وحسب الدراسة الأخيرة التي أجراها الاقتصاديان، غاري هانسن، وسيلاهاتن إمراهوروغول، في نهاية العام الماضي، فإن اليابان بحاجة إلى رفع الدخل الضريبي إلى نسبة تتراوح بين 40 إلى 60% من الناتج المحلي حتى تتمكن من تسديد هذه الديون. وهنالك دراسات متفائلة تضع معدل رفع الدخل الضريبي بين 42 و47%.
وحتى الآن نجح شينزو آبي في زيادة الضرائب من 5 إلى 8%. لكنّ اقتصاديين يقولون إذا رفعت حكومة شينزو آبي ضريبة الاستهلاك من 20 إلى 30% فقد تتمكن من تسديد كامل الديون اليابانية المقدرة بحوالى 6.53 ترليونات دولار. ولكن المشكلة تكمن في أن رفع ضريبة الاستهلاك بمستويات عالية، ربما تؤثر سلباً في مستويات إنفاق المستهلك الياباني، وتأتي بنتيجة عكسية بالنسبة لخطط الحكومة الرامية إلى تحفيز المواطنين على الاستهلاك، وزيادة القوة الشرائية ليتمكن الاقتصاد الياباني من الخروج من نفق الانكماش المظلم.
وبالتالي فالرهان الجاري على إخراج اليابان من أسوأ انكماش اقتصادي منذ العام 1997، عبر المزيد من الاستدانة ينطوي على مخاطر حقيقية، من بينها، أن اليابان ربما تغرق أكثر في الديون، دون أن تتمكن من إنعاش الاقتصاد، خصوصاً أن اليابان تسعى إلى إنعاش الاقتصاد عبر زيادة الصادرات، في وقت أدمن فيه المستهلكون بالعديد من دول العالم على شراء البضائع الصينية الرخيصة.

شينزو ووعود الخلاص
أذكر أني كنت في طوكيو في مثل هذا الوقت وقبل عامين، حيث أتيحت لي الفرصة لتغطية أول انتخابات يابانية بعد حادث التسونامي المروع وكارثة الإشعاع النووي في منطقة فوكوشيما شمالي اليابان في العام 2011.
وقتها كان اليابانيون يعانون من صدمة الزلزال المروع، الذي كاد أن يحطم الشموخ الياباني ويمزق الجزء الشمالي منها. بدا القلق والحيرة والإحساس بالضياع في عيون الناخبين الوجلة بمدينة ميناسوما القريبة من مفاعل "داييشي الذري" التي زرتها يوم الانتخابات. كانوا يبحثون عن مخلص ينقذ بلادهم من تراكم المآسي العديدة التي ضربت بلاد "الشمس المشرقة"، ولا تزال تخيم في أرجائها، رغم خفوت حدتها.
فالاقتصاد اليابني وقتها، يعاني من الانكماش والسفن الحربية الصينية تبحرحول جزيرة سينكاكو، التي تنازع الصين على سيادتها. كما أن البضائع الصينية الرخيصة، غزت الأسواق العالمية وسحبت العديد من زبائن الشركات اليابانية في بلدان العالم.
وسط هذه الظروف، انتخب اليابانيون رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، رئيس الحزب  الليبرالي الديمقراطي الذي جدد انتخابه قبل أسبوع للمرة الثانية رئيساً للوزراء، على أمل انتشالهم من الأزمات المالية.
وجاء شينزو إلى الحكم بوعود كبيرة رفعت سقف طموح الشعب الياباني، ولكن بعد مرو أكثر من ثلاثة أعوام من حكمه، لم يتمكن من انتشال الاقتصاد الياباني من هوة الانكماش. ورغم جرعات التحفيز المتكررة التي نفذتها الحكومة اليابانية، لا يزال اقتصاد اليابان يعاني من التباطؤ واحتمالات الانحدار في هاوية الركود. وبالتالي فإن إنعاش الاقتصاد سيكون الهم الأول لحكومة شينزو آبي، في دورتها الثانية.
وحسب توقعات معظم المحللين الماليين وخبراء الاقتصاد في طوكيو، فإن شينزو آبي سيواصل في دورته الثانية مساعي إنعاش الاقتصاد الياباني الذي بدأه في الدورة الأولى عبر آليتين؛ الأولى ضخ سيولة نقدية مباشرة في الاقتصاد عبر سياسة التيسير النقدي التي يواصل تنفيذها البنك المركزي الياباني خلال الشهور المقبلة.
والآلية الثانية زيادة الإنفاق الحكومي في مشاريع البنى التحتية وإعادة تعمير ما تبقى من دمار تسونامي في منطقة فوكوشيما.
وحتى الآن ضخت الحكومة اليابانية أكثر من 10 ترليونات ين (نحو 117.6 مليار دولار) في الاقتصاد الياباني، وتواصل خفض سعر صرف الين الياباني، على أمل رفع حجم الصادرات في السوق العالمي. ويتأرجح الين الياباني حالياً حول مستوى 118 يناً للدولار. وتشير التوقعات إلى أن الدولار ربما يصل إلى 120 يناً أو أكثر في العام المقبل 2015.
وهذا الانخفاض الكبير في سعر الين يمنح إشارة واضحة إلى أن حكومة شينزو آبي، ستعمل في دورتها الثانية على السماح للين بالانخفاض إلى مستويات تساعد على النمو التدريجي للصادرات اليابانية، وجذب المستثمرين الأجانب للاستثمار في سوق الأسهم اليابانية، وتوفير تمويل رخيص لخطط الإنفاق في البنية التحتية.
ورغم استهداف الحكومة اليابانية لإحداث خفض كبير في سعر صرف الين، فإن الاقتصادي نوريكو هاما أستاذ الاقتصاد بجامعة دوشيشا اليابانية كتب في صحيفة "جابان تايمز" يقول: «رغم أن شينزو آبي يرغب في خفض كبير للين، فإنه لا يريد أن يصبح الرئيس الذي يشن حرب عملات على حلفاء اليابان». من جانبه، قال هيروشي نيشي أحد مديري صناديق الأسهم في طوكيو: «أتوقع أن يشتري المستثمرون الأجانب الأسهم اليابانية حينما يعودون من عطلة أعياد الميلاد». وفي الاتجاه ذاته قال كيميهيكو توميتا رئيس تداول العملات لدى «ستيت ستريت غلوبال ماركتس» في طوكيو: «لا يوجد ما يجعلنا نتوقع أن يتغير هذا الاتجاه في أي وقت قريب مع عدم وجود حافز لشراء الين الآن».

فوائد انخفاض النفط
من الفوائد التي ستجنيها اليابان في العام الجديد، انخفاض فاتورة النفط والغاز الطبيعي، حيث تستورد اليابان معظم احتياجاتها من الطاقة من الخارج، خاصة في أعقاب حادثة مفاعل فوكوشيما. وبالتالي فإن انخفاض أسعار النفط سيقلل فاتورة الاستيراد وكلف تصنيع السلع، وبالتالي مساعدة البضائع اليابانية على منافسة نظيراتها الصينية في الأسواق العالمية. ولكن على الصعيد المحلي ربما لا يساعد النفط الرخيص على رفع معدل التضخم المستهدف إلى 2.0% في المدى القصير.
المساهمون