غزّاويّات: هدنة أم ماراثون بين الحياة والموت

01 اغسطس 2014
جانب من مستشفى الشفاء بقطاع غزة (محمود حمس/Getty)
+ الخط -

أعاد إليّ قرارُ الهدنة عشر ساعات ذكرياتِ كتاكيت جدتّي حين كانت تُطلقهم من القنّ ليسرحوا وقت الضحى في حوش الدار، هنا وهناك، ثم تجمعهم بعد قليل مع أمّهم وتعيدهم للقن وتحسن إغلاقه خوفاً عليهم من القطط.

لكننا في غزّة خرجنا من القنّ وسنعود إلى داخله في انتظار الموت ثانيةً على دفعات ورشقات، رغم ذلك كان خروجنا لحوش الدار يشبه كثيراً تقافز كتاكيت جدتي وحيرتها: أين تقف وأين تتقافز، وكأنها تعلم أن فُسحتها قصيرة وعودتها للسجن في القن المظلم قريبة وطويلة.

في قلب المدينة لا يجب أن تُفكر بالشراء أو الذهاب للبنك أو محل الصرافة، عليك فقط النظر نحو الحشود والتجمعات البشرية فالجميع على عجل، وأنت مثلهم، لكن إن فكرت أن تقف في طابور البنك مثلاً، سينقضي الوقت ولن تجد وقتاً لتقف في طابور بيع خزانات المياه الضخمة لتخزّن الماء.

احترتُ من أين أبدأ حين كنت أزحف من طرف المدينة إلى عمقها، نظرة من خلال نافذة سيارة الأجرة إلى الطوابير حول البنك جعلتني لا أفكر بالمرور أمامه، كنت أريد الذهاب للبنك لصرف مبلغٍ صغيرٍ وبسيطٍ من المال أرسلته صديقة عزيزة، وأرادت مني أن أتبرع به لعائلة منكوبة.

طردت فكرة طابور البنك، خصوصاً مع الصيام والعطش، وما أشعر به من إنهاك خصوصاً أنني لم أنم دقيقة بسبب تزايد وتيرة القصف قبل إعلان الهدنة، قررت أن أبحث عن محل يبيعني خزاناً للماء.

اشتريت الخزان وطلبت من "سائق توكتوك" أن يوصله إلى بيتي، وبحثت بعدها عن بعض الخضار لأشتريها فوجدت أنّ قسماً منها غير طازج، أمّا القسم الآخر فغير متوفر غير نثل النعنع والبقدونس، وكنت بحاجة لهما لأني قررت أن أُعد طبقاً من الفتوش اليوم.

الخوف واللهاث والقنّ الذي ينتظر، ومواعيد الموت المؤجلة والمنتظرة كلها تزاحمت في عقول وقلوب هذه الحشود والتجمعات البشرية، وفيما كانوا يببتاعون لحياة قصيرة كان هناك من يستعد لتشييع أقارب وأحبة تم العثور عليهم بين أنقاض انهارت منذ أيام فوقهم.

وهناك زيارات للمشافي القريبة، وجلسات قريبة في بيوت عزاء، ونظرات متوجّسة نحو السماء تسأل: ما القادم؟ وهل بقي ما هو أسوأ..؟

المساهمون