غزّاويات: عن حماقتنا أمام فلسطين

02 اغسطس 2014
لقد استأثر "هبنّقة" بالحمق جلّه (Getty)
+ الخط -
يُستخدم في وصف أحمقٍ ما القولُ العربي المأثور "أحمقُ من هبنّقة". للاسم فخامة وجرس جميل، بل وفيه ظُرف. إذ استأثر هبنّقة بالحمق جلّه، رغم أنّ للعرب، في قولها "أحمق من.."، مذاهب عدّة.

يقال مثلاً "أحمق من دُغة". ودُغة هذه امرأة أزعجها بكاء وليدها، فرأت نافوخه يتحرّك، فأخذت سكيناً وفتحته وأخرجت مخّه. وعندما سألتها امرأة: ماذا فعلتِ لابنك حتى سكت؟ قالت لها: كان في رأسه التهاب ففقأته وأخرجت كمية من المدّة، ونام الولد هانئاً. لاحقاً، علمت دُغة أن وليدها مات بحمقها. 

يُقال أيضاً "أحمق من نعامة"، إذ ترقد الحمقاء على بيض غيرها وتهمل بيضها.

ويُقال "أحمق من حمامة"، إذ تبني البلهاء عشّها في مهبّ الريح.

وأحد المشهورين بالحمق "شَرَنْبَث"، وهو ذاك الذي دفن كنزاً في الصحراء، وكانت علامة المكان سحابة صيف!

أما هبنّقة، فله حركات ظريفة، وقد ظلمه المثل العربي إذ جعله مثالاً للحمق لا الظرف. من الأحداث التي يوردها التاريخ للدلالة على حمقه، أنّ أمّه نزعت من رقبته قلادة من عظام كان يلبسها وهو نائم، وألبستها لأخيه. ولما استيقظ هبنّقة، رأى القلادة في عنق أخيه، فقال له في حيرة: أخي! أنت أنا، فمن أنا؟.

ثمة حادثة أخرى وقعت خلال رعيه الإبل. فقد كان يرعى السمينة في المراعي الخصبة، والضّعيفة في المراعي القاحلة. فسُئل عن سبب ما يفعل. فقال: إن كان الله أراد للسمينة أن تكون سمينة، وللضعيفة أن تكون ضعيفة، أفأتدخل في صنع الله!. ولهبنّقة حوادث أخرى يستدلّ بها المؤرخون على حمقه.

في الحقيقة، لا أرى في النوادر التي قيلت عنه ما يستحقّ معها هذه الوصمة. قد يبدو ظريفاً مثل جحا. لكنّه ليس أحمق، إلا إذا كان للرواية وجه آخر.

ألسنا كفلسطينيين مثل "شرنبث"؟ خبّأنا أحلامنا طويلاً، وعلّمناها بسحابة في سماء أميركا؟ وبنينا وطناً في مهبّ ريح صراعات الكون وحسابات الإقليم والدول؟ وحمينا الآخر وأهملنا أبناءنا؟ بل وقتلناهم! ألم نرضَ بالأرض الجدباء وأخذ "الآخر" الماء والخضراء؟ لأن الله - العالم أراد ذلك؟

 ألم ننظر في الضفّة وغزّة إلى بعضنا بعضاً، ونقل: أخي! أنت أنا، فمن أنا؟

هل يمكن أن نضيف إلى قائمة "أحمق من.."، جملة: "أحمق منّا، أمام فلسطين". 

دلالات
المساهمون